٣ ـ آداب المجاورة :
ينبغي للساكن في البقاع الطاهرة المجاورة فيها أن يراعي قدسيتها ، بل يجتهد في مراعات الآداب وحرمة من ثوى فيها من الأنبياء والأوصياء ، فإنّ حرمتهم أموات كحرمتهم أحياءاً ، فليحذر المعاصي فيها ، فإنّ الآتي بالمعصية فيها يتضاعف إستحقاقه العقوبات ؛ لهتكه لحرمة هذه البقاع المقدسة ، واحترام من حلّ بها ، ولذا لا بد أن يكون المجاور صاحب بصيرة تامة وملكة نورانية ، حتى يعرف هذه البقاع المقدّسة وقدر من حلّ بها ؛ ومن تتبع سيرة الماضين من العلماء الأخيار ، والفضلاء الأبرار ، كانوا في كربلاء المقدسة يجتنبون عن إتيان المكروهات ، بل كان جمع منهم لا يبولون ولا يتغوطون في هذه الأرض ، بل في آنية كالحباب والمراكن ونحوها ، ثم كانوا يحملونها إلى المكان الذي يخرج من حدود كربلاء ، ثم إنّ جمعاً لم يدخلوا الحرم إلا بعد كمال الخشوع ، وحضور القلب وجريان الدموع.
ومن الشواهد على ذلك ، ما ذكره الفاضل الدربندي (قده) : «وقد سمعت حكاية عجيبة ، وواقعة غريبة وقعت قبل خمسين سنة (٥٢٠) من هذا الزمان وحاصلها ؛ أنّ رجلاً من عظماء بلاد الهند وفد إلى كربلاء ، ومضت من وروده إلى كربلاء مدة ستة أشهر ، وهو لم يحضر الحرم الشريف ، بل متى ما يريد يقول : السلام على سيد الشهداء ، كان يصعد فوق سطح المنزل الذي كان فيه ، فيزوره ويسلم عليه من ذلك المكان ، وقد بلغ خبره النقيب في ذلك الزمان ـ وهو السيد الأجلّ المرتضى ـ ؛ فجاء السيد المرتضى إلى منزله فعاتبه
__________________
(٥٢٠) ـ الأقرب إلى الصحة ، قبل (٧٥٠ أو ٨٥٠) سنة ، لأن الفترة الزمنية التي بين الشيخ الدربندي والسيد المرتضى هي ما ذكرناه ، ولعل العبارة فيها حذف. والله العالم ـ المؤلف.