أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : (وهذه أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر رجلاً من ولدي وولد فاطمة ، وإنها لفي السماوات معروفة ، تذكر : أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين ، وبقعة بيت المقدس) (٥٤٦).
إذا إعتبرنا (كربلاء) أرض البلاء ؛ فهي موضع إختيار لإخلاص سيد الشهداء وأهل بيته وصحبه للعقيدة والدين ، وقد تجلى جوهرهم الذاتي وبعدهم الرفيع ، ومدى صدق عقيدتهم ، وقد أشار إلى ذلك سيد الشهداء بقوله : (الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما دَرّت معايشهم ، فإذا محِّصوا بالبلاء قلّ الديّانون) (٥٤٧). وشهد لأهل بيته وصحبه بقوله : (أما بعد ـ فإني لا أعلم أصحاباً أصلح منكم ، ولا أعلم أهل بيت أبرّ ولا أوصل ولا افضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً عني خيراً) (٥٤٨).
إضافة إلى ما تضمنته كربلاء من إمتحان عظيم ، فقد كانت في الوقت نفسه سبباً للتقرب إلى الله وعلو الدرجة ، حيث قدّم سيد الشهداء إثنين وسبعين قرباناً ، وهو الذبح العظيم وقربان إلى الله ، وتعرض عياله في صحراء كربلاء لصنوف الأذى والعذاب. وبعد هذا البيان ، إتضح لنا أن واقعة الطف كانت من أعظم الحوادث في تاريخ البشرية ، والتي عَرّفت المسلمين وغيرهم على القيم النبيلة ، ومفهوم الحياة الهادف ، ومن الشواهد على ذلك ما يلي :
__________________
(٥٤٦) ـ المصدر السابق ، ج ٤٤ / ٢٥٣.
(٥٤٧) ـ الخوارزمي ، أبي المؤيد الموفق بن أحمد المالكي : مقتل الحسين ، ج ١ / ٣٣٧.
(٥٤٨) ـ نفس المصدر / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.