الحافظ : إيذاء أبي ذرّ عليه الرحمة ونفيه لم يصدر من عثمان ، وإنّما كان بأمر بعض عمّاله ومن غير علمه ، وإلاّ فإنّ عثمان أجلّ من هذه الأعمال ، والمشهور أنّه كان رحيما شفيقا يحمل بين جنبيه قلبا رقيقا.
قلت : إنّ كلامك هذا خلاف الواقع ، وقد صدر من غير تحقيق ، فإنّ التاريخ يؤكّد أنّ الأوامر الصادرة في تبعيد أبي ذر إنّما كانت من نفس عثمان إلى عماله ، وهم قاموا بكلّ ما فعلوا ، تنفيذا لأوامره!
وإذا أردت أن تعرف حقيقة الأمر ، فراجع تاريخ اليعقوبي ١ / ٢٤١ ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ٣ / ٥٥ ، وغيرهما ، فقد سجّلوا كتاب عثمان إلى معاوية ـ وهو عامله على الشام ـ فقد كتب فيه : أمّا بعد ، فاحمل جندبا إليّ على أغلظ مركب وأوعره.
فوجّه به مع من سار به الليل والنهار ، وحمله على شارف ليس عليها إلاّ قتب ، حتّى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد.
فبالله عليكم أنصفوا! هل هذا معنى الرحمة الرّأفة مع شيخ كبير طاعن في السنّ كأبي ذرّ رحمهالله تعالى!! (١).
__________________
(١) كان أبو ذرّ عليه الرحمة رجلا صريحا يجهر بالحقّ ولا يسكت على الباطل. فكان ينكر على عثمان تصرّفه في بيت المال وإعطاءه أموال المسلمين لمن لا يستحقّ ، فكان يتلو قول الله تعالى : (... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (سورة التوبة ، الآية ٣٤) فأرسل عثمان نائلا مولاه إلى أبي ذرّ : أن انته عمّا يبلغني عنك!
فقال : أينهاني عثمان عن تلاوة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله! فو الله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضاه.