البين امر ولا نهى ، واما اذا كانت مفسدة النهى مغلوبة فى جانب المصلحة القائمة بالطبيعة ، كان التأثير حينئذ للطبيعة إلّا ان تأثيرها لا يكون إلّا بمقدار ما يقتضيه الامر من البعث والطلب وهو انما يقتضى البعث نحو الطبيعة ، ومعلوم ان مطلوبية الطبيعة لا بشرط يستتبع الطلب التخييرى بالنسبة الى الافراد فكل فرد يكون تحت الالزام عند ترك بقية الافراد وتحت الرخصة عند الاتيان بفرد آخر من بقية الافراد وهكذا ، والوجه فيه ظاهر فان الطبيعة اذا كانت هى المطلوبة دون الخصوصيات الشخصية فكل ترك من تروك الافراد اذا كان يستلزم ترك الطبيعة ، يكون مبغوضا ، وذلك لا يكون إلّا عند الاقتصار على فرد واحد منها ، فان ذلك الفرد الواحد المقتصر عليه لو ترك تنتفى الطبيعة بتركه فيكون ترك ذلك الفرد مع هذا الحال مبغوضا ، اما اذا كان تركه مقترنا مع اتيانه ببقية الافراد ، فلا يكون مثل هذا الترك مبغوضا ، لعدم انتفاء الطبيعة بتركه ، فيكون المتحصل من ذلك ان الفرد مطلوب بما له من حد الطبيعة وليس بمطلوب بما له من الحد الشخصى ، فكل ترك يكون مؤديا الى ترك الحد الاول الموجب لانتفاء الطبيعة وعدم تحققها فى الخارج يكون مبغوضا وهو انما يكون حيث يترك الفرد بلا بدل له من سائر الافراد ، وكل ترك لا يكون فيه الا ترك الحد الشخصى خاصة ، لم يكن فيه بأس ، اذ لا رجحان فى الخصوصية ، فتركها حينئذ وعدم تركها على السواء ، فتكون الخصوصية على هذا التقدير مباحة ، وان كانت الطبيعة المتحصلة فيها واجبة ، وهذا هو معنى الواجب التخييرى ، فاذا جاز اجتماع الوجوب والاباحة فى واحد شخصى باعتبار حديه ، فليجز اجتماع الوجوب والاباحة كذلك ، ضرورة ان الاحكام لخمسة كلها متضادة ، ولا اختصاص لذلك بالوجوب والحرمة كما لا يخفى. فلربما تكون