يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة» (٥٢٤). بخ بخ إنّ من وقف على الوهلة العظيمة ، والروعة الشديدة التي رهقت أعلام نجران ، وممثلي دينها ودنياها ، بمجرد أن برز أصحاب الكساء لمباهلتهم ؛ عُلِمَ لمحمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم ، جلالة ربانية تغشى الأبصار ، ومهابة روحانية لها جناح الذل والصغار ، ألا ترى أولئك الأبطال ـ وهم ستون فارساً ـ من أسود الشرى ، وليوث الوغى ، كيف ارتعدت فرائصهم قلقاً ، وإنخلعت قلوبهم فرقاً ، ونادى عظيمهم بما سمعت ، وهلوعاً جزوعاً ، وهذا ليس إلا للجلالة الربانية ، والعظمة الروحانية ، التي أدركها خصمهم من أول نظرة إلى وجوههم المباركة ، فكأنّ الجلالة والعظمة ، والمهابة والأبهة ، وقرب المنزلة من الله ، والكرامة عليه مكتوبة بنوره تعالى في أسارير جبهاتهم الميمونة ، ومعنونة في صفحات وجناتهم الكريمة ، وإني لأعجب والله من المسلم لا يقدر هذا المقام وقدره ، وأنت تعلم أنّ مباهلته صلى الله عليه وآله وسلم بهم وإلتماسه منهم التأمين على دعائه بمجرده فضل عظيم ، وانتخابه إياهم لهذه المهمة العظيمة واختصاصه بهذا الشأن الكبير ، وايثارهم فيه على من سواهم من السوابق ، فضل على فضل لم يسبقهم إليه سابق ، ولن يلحقهم فيه لاحق ، ونزول القرآن العزيز آمراً بالمباهلة بهم بالخصوص فضل ثالث ، يزيد فضل المباهلة ظهوراً ، ويضيف إلى شرف إختصاصهم بها شرفاً وإلى نوره نورا. وهناك نكته يعرف كنهها علماء البلاغة ، ويقدر قدرها الراسخون في العلم ، العرافون بأسرار القرآن ، وهي أنّ الآية الكريمة ظاهرة في عموم الأبناء والنساء والأنفس ، وكما يشهد به علماء البيان ، ولا يجهله أحد ممن عرف أنّ الجمع المضاف حقيقة في الإستغراق ، وإنما أطلقت
__________________
(٥٢٤) ـ الفخر الرازي ، فخر الدين ، محمد بن عمر : التفسير الكبير ، مج ٤ ـ ج ٨ / ٨٨ ـ ٨٩.