«وعن الشعبي أنّه كان يكره المقام بمكة ويقول : هي دار أعرابية هاجر منها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وقال : ألا يفتي حبيب نفسه يجاور مكة ، وهي دار اعرابية. وقال عبد الرزاق في مصنفه : كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلّم ـ يحجون ثم يرجعون ، يعتمرون ثم يرجعون ولا يجاورون» (٤٩٧).
الثاني ـ كراهة سكنى مكة والمدينة :
نسب هذا القول إلى النووي في شرح مسلم ـ كما ذكر السمهودي ـ : «لكن إقتضى كلام النووي في شرح مسلم حكاية الخلاف فيها ، وكأنّه قاس المدينة على مكة من حيث إنّ عِلّة الكراهية ـ وهي خوف الملل وقلّة الحرمة للأنس وخوف ملابسة الذنوب ؛ لأنّ الذنب بها أقبح ـ نحوه موجود في المدينة ، ولهذا قال : المختار أن المجاورة بهما جميعاً مستحبة ، إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة» (٤٩٨).
الثالث ـ إستحباب سكنى المدينة :
قال السمهودي : «وبالجملة فالترغيب في الموت في المدينة لم يثبت مثله لغيرها ، والسكنى بها وصلة إليه ؛ فيكون ترغيباً في سكناها تفضيلاً لها على غيرها ، وإختيار سكناها ، هو المعروف من حال السلف ، ولا شك أنّ الإقامة بالمدينة في حياته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أفضل إجماعاً ، فنستصحب ذلك بعد وفاته ، حتى يثبت إجماع مثله يرفعه» (٤٩٩).
__________________
(٤٩٧) ـ السمهودي ، نور الدين علي بن احمد : وفاء الوفاء ، ج ١ / ٥٠.
(٤٩٨) ـ نفس المصدر / ٥١.
(٤٩٩) ـ نفس المصدر ، ج ١ / ٥٠.