وعلمه صلى الله عليه وآله وسلم هذا من شؤون ولايته الكبرى المطلقة العامة الشاملة على كافة البرية.
فالحالة هذه تقتضي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ناظراً طيلة حياته إلى كل تلكم الحوادث ، والرزايا والمصائب الحالة بساحة أهل بيته وأعزائه ، كأنّه كان نظر إليها من وراء ستر رقيق ، وكان مهما نظر على أحد منهم من كثب ، يتجسم بطبع الحال بين عينيه ما كان تحويه هواجسه ، فكان مدى حياته يبدو الحزن والكآبة في أساريره بحكم الطبيعة ، والشجو والأسى لا يفارقانه ، كان مُنَغّص العيش يُسرُّ الزفرة ، ويخفي الحسرة ، ويجرع الغصة ، ومهما وجد جُوّاً صافياً يعالج لوعة فؤاده ، ويطفي لهفة قلبه ، ويخمد نائرة الحزن ، بأن يضم أحداً من أهله على صدره ويشمه ويقبله ، وساكباً عبرته ، فتراه يضم الحسين السبط إليه ويشمه ويقبله ويقبل منه مواضع السيوف والرماح والطعون ، ويخص من جوارحه بالقبلة شفتيه ، علماً منه بأنها ستضربان بالقضيب. يقيم صلى الله عليه وآله وسلم على حسينه وريحانته مأتماً حيناً بعد حين ، في بيوت أمهات المؤمنين ، ومهما إشتد عليه حزنه ؛ يأخذ حسينه على حضنه ويأتي به إلى المسجد إلى مجتمع الصحابه وهو يبكي ، وعيونه تدمع ، ودموعه تسيل ، فيريهم الحسين الرضيع ، وتربة كربلائه في يده ويقول لهم : إنّ أمتي يقتلون هذا ، وهذه تربة كربلاء. أو يأخذ تربته : تربة كربلاء ويشمها ويبكي وفي لسانه ذكر مقتله ومصرعه ، وهو يقول : ريح كرب وبلاء. أو يقول : والذي نفسي بيده إنه ليحزنني ، فمن هذا يقتل حسيناً بعدي؟!
أو يأخذ حسيناً على حجره وفي يده تربته الحمراء وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟! ولعل أول حفل تأبين أقيم للحسين الطهر