وهنّ يلذن بعضهم ببعض ، وقد أخذ ما عليهن من أسورة وأخمرة ، وهنّ يصحن : واجداه وابتاه واعلياه واقلة ناصراه واحسيناه ، أما من مجير يجيرنا ، أما من ذائد يذود عنا ، قالت : فطار فؤادي ، وارتعدت مفاصلي ، فجعلت أحيل طرفي يميناً وشمالاً على عمتي أم كلثوم ، خشية منه أي يأتيني ، فبينما أنا على هذه الحال ، فإذا به قد قصدني فذهلت خشية منه ، وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي ، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي ، وترك الدماء تسيل على دخدي ورأسي تصهره الشمس ، وولى راجعاً للخيام وأنا مغشياً عليّ ، وإذا أنا بعمتي عندي تبكي وتقول : قومي يا بنية نمضي فما أعلم ما جرى على البنات وعلى أخيك العليل ،فقمت وقلت : يا عمتاه ، هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظارة؟ فقالت : يا ابنتاه وعمتك مثلك. فرأيت رأسها مكشوفاً ومنتها إسودّ من الضرب ، فما رجعنا إلى الخيمة إلا وقد نهبت وجميع ما فيها ، وأخي مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس والقيام من كثرة الجوع والعطش والسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا) (١٥١).
هذه بعض المآسي المحيرة ، التي أذابت القلوب وأبكت حتى العدو الغاشم ، وبهذا نكتفي.
ولقد أجاء السيد حيدر الحلي (ره) في تصوير هذه المآسي في أبياته التالية :
وحائرات أطار القوم أعينها |
|
رعباً غداة عليها خدرها هجموا |
كانت بحيث عليها قومها ضربت |
|
سرادقاً أرضه من عزهم حرم |
يكاد من هيبة أن لا تطوف به |
|
حتى الملائك لولا أنهم خدم |
فغودرت بي أيدي القوم حاسرة |
|
تسبى وليس لها من فيه تعتصم |
__________________
(١٥١) ـ ابن نما ، الشيخ جعفر بن محمد : مثير الأحزان ، ج ٢ / ٩١ ـ ٩٢.