وربّما أوحى الله تعالى إلى غير الإنسان كما في قوله سبحانه : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (١).
وممّا لا شكّ فيه أنّ الوحي له مراتب فالمرتبة الأعلى والأقوى منها تحصل للأنبياء ، والأدنى منها تحصل لغير الأنبياء بإرادة الله القادر المنّان.
كما أنّنا نستفيد من كلام الله تعالى ، أنّ أوامره إلى عباده وهدايتهم لمقاصده ، لا تنحصر بطريق الوحي ، فإنه قادر أن يبلّغها لمن يريد بأي طريق شاء ، ولو بخلق النداء والصوت ، كما حدث ذلك لمريم ابنة عمران ، فقد قال سبحانه : (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا* وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (٢).
فكما إن الله عز وجلّ بلّغ مراده إلى أم موسى بالوحي ، وإلى أمّ عيسى بالنداء ، فقد بلّغ أبا طالب أيضا بأنّه انتخب اسم عليّ واشتقّه من اسمه الأعلى لوليد الكعبة ، فسمّاه عليّا.
ولا نقول بأنّ الوحي الذي كان ينزل على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نزل على أبي طالب ولا نعتقد نبوّته ، وانما نقول بأنّ الله تعالى نبّه أبا طالب وبلّغه إمّا بالنداء أو بمشاهدته لوحا مكتوبا أن يسمّي ولده بالاسم المشتق من اسم الله العليّ الأعلى ، فيسمّيه عليا وقد فعل أبو طالب
__________________
(١) سورة النحل ، الآية ٦٨.
(٢) سورة مريم ، الآية ٢٤ ـ ٢٦.