فمما يثير العجب ويبعث الأسف في النفس ، أنّ معاوية وابنه يزيد مع كثرة الدلائل والشواهد على كفرهما وإنكارهما للدين والوحي (١) ، تعدّونهما مؤمنين ، بل تلقبونهما بأمير المؤمنين ، أي
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٥ / ١٢٩ ، ط إحياء التراث العربي تحت عنوان : (أخبار متفرقة عن معاوية).
وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ، ولم يقتصروا على تفسيقه ، وقالوا عنه أنّه كان ملحدا لا يعتقد النبوّة ، وقد نقلوا عنه في فلتات كلام وسقطات ألفاظه ما يدلّ على ذلك. وروى الزبير بن بكّار في «الموفقيات» ـ وهو غير متّهم على معاوية ، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة ، لما هو معلوم من حاله من مجانبة عليّ ٧ ، والانحراف عنه ـ : قال المطرف بن المغيرة بن شعبة : دخلت مع أبي على معاوية ، وكان أبي يأتيه فيتحدّث معه ، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة ، فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتمّا فانتظرته ساعة ، وظننت أنّه لأمر حدث فينا ، فقلت : ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال : يا بنيّ ، جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم ، قلت : وما ذاك؟ قال : قلت له ـ أي لمعاوية ـ وقد خلوت به : إنّك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فإنّك قد كبرت ؛ ولو نظرت إلى إخوانك من بني هاشم ، فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإنّ ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه ؛ فقال : هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه؟! ملك أخو تيم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل : أبو بكر ؛ ثم ملك أخو عديّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ؛ إلاّ أن يقول قائل :عمر. وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرّات : «اشهد أنّ محمدا رسول الله» فأيّ عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟! لا والله إلاّ دفنا دفنا!!]
ثم قال ابن أبي الحديد بعد نقله للخبر [وأما أفعال المجانبة للعدالة الظاهرة ، من لبسه الحرير ، وشربه في آنية الذهب والفضّة ؛ حتى أنكر عليه ذلك أبو الدرداء ،