وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ صفحة ١٧ : [وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا ، وحرّق قوما بالنار (١).]
__________________
(١) ما كانت غارة بسر بن أرطاة الظالم السفّاك هي الوحيدة من نوعها ، بل يحدّث التاريخ عن أمثالها. وقعت بأمر معاوية ، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٥ ، ط دار إحياء التراث العربي : (غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار) روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب «الغارات» عن أبي الكنود ، قال : حدثني سفيان بن عوف الغامديّ ، قال [دعاني معاوية ، فقال : إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة ، فالزم لي جانب الفرات ، حتى تمرّ بهيت فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم ؛ وإلاّ فامض حتى تغير على الأنبار ، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن ؛ ثم أقبل إليّ واتّق أن تقرب الكوفة! واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت على الكوفة ؛ إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعّب قلوبهم ، وتفرح كلّ من له فينا هوى منهم ، وتدعوا إلينا كلّ من خاف الدوائر! فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك ، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى ، واحرب الأموال ، فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل ، وهو أوجع للقلب!]
أقول : وامتثل سفيان عليه اللعنة أوامر معاوية وقتل من قتل ونهب ما نهب ، ورجع إلى الشام فاستقبله معاوية بالفرح والسرور ورحّب به وحباه أعظم حباء ، فقد نقل ابن أبي الحديد عن سفيان بن عوف ، في شرح نهج البلاغة : ج ٢ / ٨٧ قال [فو الله ما غزوت غزاة كانت أسلم ولا أقرّ للعيون ، ولا أسرّ للنفوس منها! وبلغني والله أنّها أرعبت الناس ، فلمّا عدت إلى معاوية ؛ حدثته الحديث على وجهه ، فقال : كنت عند ظنّي بك ، لا تنزل في بلد من بلداني إلاّ قضيت فيه مثل ما يقضى فيه أميره ، وإن أحببت توليته ولّيتك ، وليس لأحد من خلق الله عليك أمر دوني.]
فانظر أيها القارئ الكريم إلى الجملة الأخيرة ؛ كيف يسلّط معاوية الطاغي هذا الظالم الباغي على خلق الله ويبسط يده ليفعل ما يشاء بلا مانع ولا رادع ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.