ثالثا : وعلى فرض أن يكون من حقّ الخليفة أن يجعل من يحبّ تحت نظره ويراقب أموره ، فهل من حقّه أيضا أن يصدر حكما قاسيا في حقّ المتّهم ، قبل أن يراه ويحاكمه ويسمع كلامه ودفاعه عن نفسه؟!
وهل يسمح الدين القويم والعقل السليم للخليفة ، أو لأيّ حاكم ، أن يحكم على متّهم ـ قبل ثبوت الجرم ـ وهو شيخ كبير مسنّ ضعيف نحيف ، بحكم لا يطيقه ولا يتحمّله؟! كما حكم عثمان وأمر في كتابه لمعاوية : أن احمل جندبا ـ يعني : أبا ذرّ ـ على أغلظ مركب وأوعره من غير قتب!! فلما وصل المدينة تساقط لحم فخذيه من الجهد.
فهل هذا بحكم العدل والرحمة؟! وهل هذا من المروءة والرأفة؟!!
وإذا كان عثمان يريد وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين فقام بتبعيد أبي ذرّ رحمهالله تعالى لكي لا تشقّ عصا المسلمين ، فلما ذا اختلف المسلمون على عهده وانشقّت عصاهم ، وثاروا على عثمان وقتلوه؟!!
فالمنصف المحقّق يعرف إنّما اختلف المسلمون وثاروا على عثمان وخلعوه ، بسبب ارتكابه تلك الأعمال المخالفة للإسلام والعرف!
وإذا كان الخليفة كما تزعمون ، حريصا على وحدة الكلمة واتّحاد المسلمين ، فكان يجب عليه أن يلبّي طلبات الثائرين ، وكلّها كانت أمورا شرعية وعرفية ، ومن أهمّها أنّهم كانوا يطالبوه بعزل بعض عمّاله المفسدين الظالمين ، وإبعاد حاشيته ، أمثال : مروان طريد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والوليد بن عقبة الفاسق ، ومعاوية الفاجر ، الّذين لعنوا في القرآن الكريم وعلى لسان النبيّ العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم .
الحافظ : من أين نعرف أنّ أبا ذر كان صادقا ، وبالحقّ ناطقا ،