__________________
«سؤالك المتاركة والإقرار لك على الشام. فلو كنت فاعلا ذلك اليوم ، لفعلته أمس».
أقول : فالذين يأخذون على أمير المؤمنين سلام الله عليه سياسته وينتقدون إدارته وتدبيره ، كأنّهم يريدون منه أن يداهن هؤلاء الذين حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، أتباع الهوى وطلاّب الدنيا ومبتغي الملك والرئاسة مهما كلّف الثمن حتى إذا توقّف ذلك على إراقة دماء عشرات الآلاف من المسلمين والمؤمنين ، ولكن حاشا علي بن أبي طالب أن يخضع لهؤلاء ويطيعهم ، كيف؟ وقد قال الله الحكيم : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) سورة القلم ، الآية ٨ و ٩.
ثم اعلم أنّ كل دم سفك بأمر الله ورسوله بسيف عليّ أو غيره ، فإنّ العرب بعد النبي (ص) عصّبت تلك الدماء ، بعليّ بن أبي طالب عليهالسلام وحده ، لأنّه لم يكن في رهطه من يستحق في عادتهم وسنّتهم الجاهلية أن يعصب به تلك الدماء إلاّ بعليّ وحده ، وهذه عادة العرب إذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل ، فإن مات أو تعذّرت عليها مطالبته طالبت بها أمثل الناس من أهله ، وحيث كان علي : عليهالسلام نفس رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأقرب الناس إليه وأحبّ أهله له حتى قال (ص) فيه «علي مني وأنا من علي». وقال (ص) «حربه حربي وسلمه سلمي». وقال (ص) «من أحبّه فقد أحبّني ، ومن أبغضه فقد أبغضني». وأمثال هذه الأحاديث الشريفة ، التي تكشف عن الاتحاد والتآلف بين عليّ وبين النبيّ (ص). فالذين أحجموا عن أذى رسول الله (ص) في حياته خوفا من سيفه وسوطه إذ كان صاحب الجيش والعدّة وأمره مطاع وقوله نافذ ، فخافوا منه واتّقوه وأمسكوا عن إظهار بغضه وعداوته ، «فلما مضى المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى دار المقامة والخلد ، انتهزوا الفرصة وانتهكوا الحرمة وغادروه على فراش الوفاة وأسرعوا لنقض البيعة ومخالفة المواثيق المؤكّدة فحشر سفلة الأعراب وبقايا الأحزاب ، الفسقة الغواة والحسدة البغاة أهل النكث والغدر والخلاف والمكر ، والقلوب المنتنة من قذر الشرك ، والأجساد المشحنة من درن