فيحصل من هذه الكلمات والجمل أنّه عليهالسلام قعد عن حقه وسكت. رعاية لما هو أهم ، إذ أنّه كان يعلم بأنّ المنافقين وأعداء الدين يترصدون ويتربّصون ليوقعوا بالمسلمين ويقضوا على الدين ، وإذا كان الإمام علي عليهالسلام يقوم بمطالبة حقه ويجرّد الصمصام ، لاغتنم المنافقون واليهود والنصارى الفرصة وقضوا على الإسلام. لذلك صبر وتحمّل وسكت عن حقه وتنازل. بعد ما احتجّ عليهم وأثبت حقّه في الأشهر الست التي ما بايع فيها كما في كتب أعلامكم ، فكان عليهالسلام يتكلّم مع رءوس المهاجرين والأنصار ويستدلّ على حقوقه المغصوبة بالآيات البيّنات والسنن الواضحات والأمور الظاهرات ، فبعد ما بيّن لهم الحق وأتمّ عليهم الحجج بايع مكرها لا طائعا فصبر على أمرّ من العلقم وأحرّ من الجمر ، كما أشار إلى حاله في الخطبة الشقشقية المرويّة في نهج البلاغة وهي معروفة قال عليهالسلام :
«أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة وانّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عني السّيل ولا يرقى إليّ الطير فسدلت دونها ثوبا وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده.». الخ.
ولا أطيل عليكم أكثر من هذا ، إنّما ذكرت لكم بعض كلماته وخطبه عليهالسلام لنعرف آلامه القلبيّة من تلك الأحداث ثم نعرف علل قعوده وسكوته عن حقه.