نعم ، لا بأس به على ما اختاره من حرمة التجرّي ، لكنّه بناء عليه أيضا يخرج عن عنوان الحرمة الغيريّة فهو يشبه قول بعض الأساطين بحرمة مقدّمة الحرام فيما قصد التوصّل بها إليه من حيث حرمة الإعانة على الإثم (١).
والحاصل : أن القول بحرمة المقدّمة الغير السببيّة بالنسبة إلى الحرام مما لم يعهد ، وإلاّ لزم الحكم بحرمة أكثر الأفعال المباحة بالذات من حيث كونها مقدّمة لمحرّم من المحرّمات ، فإن كان وجوب المركّب مستلزما لوجوب أجزائه وحرمة الأكثر غير مستلزمة لحرمة أجزائه كان الأقل عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأول متيقّن الإلزام ، فيحكم العقل بوجوب الإتيان به من حيث العلم بكون تركه سببا لاستحقاق العقوبة ، وفي الثاني مشكوك التحريم رأسا فيرجع بالنسبة إليه إلى البراءة.
فإن قلت : على القول بالرجوع إلى البراءة عند دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الواجب كما هو المختار وعليه المشهور ـ على ما سيجيء في محلّه ـ لا مناص من إرجاع الشك بالنسبة إلى الأكثر إلى الشك في أصل التكليف ، وإلاّ لم يكن معنى للرجوع إليها ـ على ما ستقف عليه ـ غاية الأمر رجوع الشكّ في الفرض بالنسبة إلى الأكثر إلى الشك في أصل التكليف وفي الدوران في الحرام
__________________
(١) أنظر كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء : ج ١ / ١٦٩ وشرح القواعد : ج ١ / ١٥٥ و١٦٠ و٢١٤.