وهذا بخلاف دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في مفروض البحث ؛ فإن الأقلّ فيه متيقّن الوجوب وإنّما الشكّ في وجوب الزائد بالوجوب الغيري والفرق أن وجوب الأكثر يستلزم وجوب الأقلّ من غير عكس ، وتحريم الأكثر لا يستلزم تحريم الأقل ، كما أن تحريم الأقل لا يستلزم تحريم الأكثر ، وإن كان الإتيان بالأكثر إتيانا بالحرام من حيث الاشتمال من غير أن يكون للحرام أثر بالنسبة إليه ، فيرجع الأمر حقيقة إلى تحريم الأقلّ المتحقّق في ضمنه.
وهذا من جهة ما تقرّر في مسألة وجوب المقدّمة عندهم : من أن وجوب الشيء يستلزم وجوب ما يتوقّف عليه سيّما إذا كان من الأجزاء ، بخلاف تحريم الشيء ؛ فإنه لا يوجب تحريم مقدّماته إلاّ المقدّمة السببيّة عند المشهور ، ولا ينافي هذا ما قضى به النص والفتوى من تحريم بعض الأفعال المقصود به ترتّب الحرام عليه كغرس الخمر ، وبيع الخشب ليعمل صنما ، والمشي لسعاية مؤمن ، إلى غير ذلك مما لا يحصى ؛ فإن ذلك ليس من باب المقدّميّة والتحريم التبعي الغيري ، بل من حيث الإعانة والتحريم النفسي ؛ ضرورة استحالة اقتضاء المقدّميّة التحريم في حق غير فاعل الحرام كما هو الشأن بالنسبة إلى الواجب أيضا فهو خارج عن عنوان المسألة ، ورد التعبّد به خصوصا أو عموما.
نعم ، في كلام بعض من تأخّر : الحكم بتحريم ما يتوقّف عليه الحرام مطلقا إذا كان الغرض منه التوصّل إلى فعل الحرام. وهو كما ترى ، مما لا يقتضيه العقل الحاكم في المسألة.