بل الأمر في جميع الواجبات الشرعيّة يلاحظ فيه عند العدليّة التوصّل إلى الغير ؛ فإنهم حكموا بأنها إنّما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقليّة ، ومع ذلك يكون الأمر المتعلّق بها شرعيّا مولويّا ، وهذا الذي ذكرنا من كون الحكم العقلي الإرشادي ملازما للأمر الشرعي المولوي في مورد القابل مع وضوحه ، قد حقّقنا القول فيه وفصّلناه في مسألة الملازمة.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إن حسن الاحتياط عقلا إنّما هو من حيث كونه من مراتب الإطاعة ، فيكون حال الأمر المتعلّق به المستكشف من قاعدة الملازمة حال الأمر المتعلّق بالإطاعة. نعم ، يمكن أن يلاحظ الشارع في أمره المستكشف من الأدلّة اللّفظيّة عنوانا آخر للاحتياط ، فأمر به أمرا مولويّا بهذه الملاحظة ، كما أنه يحتمل أن يكون جهة أمره عنوانه الملحوظ في حكم العقل فتأمل.
ثمّ إن هنا إشكالا أيضا على القول بكون حسن الاحتياط والمدح المتعلّق به فاعليّا أيضا ، وملخّصه : أنه بناء عليه يتعيّن القول بكون الأمر المتعلّق به غيريّا مقدّميّا صرفا ؛ إذ لا حسن فيه بالفرض أصلا ، فعلى هذا لا بد أن يبنى الكلام في حكم الأمر المتعلّق بالاحتياط من حيث كونه إرشاديّا أو مولويّا على الكلام في نفس الاحتياط من حيث كونه حسنا بالذات أم لا ، فلا معنى للتكلّم في المقامين هذا.