تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهى نقض غرض ، وقبيح لا يصدر عن عاقل فضلا عن الحكيم تعالى.
وفيه : ان مثل هذا التأخير لا بأس به ، اذا كان هناك مصلحة ، تقتضى اخفاء الواقع وبقاء المكلف على ظاهر تكليفه ، من التمسك بظاهر العام ، الى ان يرتفع عنه المانع ويبين له التكليف الواقعى بالخاص ، وليس ذلك بعزيز فكم ، وكم له نظير فيها! قد اقتضت الحكمة الالهية بقاء العباد على جهلهم بالواقعيات ، لمصالح خفية لا يعلم بها الا علام الغيوب ، فأنظر الى اصالة الحل والطهارة قد ضربتا قاعدتين للمكلفين يعملون بهما حتى يتبين لهما واقع الواقعة بالعلم او العملى ، وليس عليهم تفحص وان امكنهم ذلك ، بل ربما يعاتب على التفحص كما فى الخبر ، ومن الجائز فى العموم والخصوص ان يكونا من هذا القبيل ، بأن يكون هناك مصلحة تدعو الى العمل بظاهر العموم برهة من الزمان ، ثم بعد ذلك يذكر الخاص ، ويكون العمل عليه ، ولعل التوهم نشاء من اختلاط تأخير البيان عن وقت حاجة المولى ، لبيان مرامه ومقصوده ، وتأخيره عن وقت حاجة المكلف للعمل ، فان التأخير فى الصورة الاولى قبيح ، لمنافاته الغرض ، دون الثانى.
ثانيهما : ان النسخ رفع للحكم الفعلى الثابت فى الواقعة المنسوخة ، فلا يصلح الخاص الوارد قبل حضور وقت العمل بالعام الا وان يكون مخصصا ، لامتناع النسخ مع هذا الفرض المفروض فى هذه المقدمة.
وفيه : ان النسخ فى الاحكام ، كالبداء فى التكوينيات ، اذ كما يجوز ان يظهر الله تعالى لنبيه وقوع شىء فى عالم التكوين لمصلحة ، ثم يظهر له خلافه كذلك ، يجوز ان يظهر له الحكم المشروط بشىء ، ثم يظهر له بعد ذلك خلافه قبل تحقق شرطه ، فيكون ذلك نسخا لحكم