اجل ذلك فى الحكم ، فكان النهى عن الجزء قاضيا بفساد العبادة مطلقا لخلوه عن ملاك الصحة ، بخلاف النهى عن الشرط فانه غير مانع عن قيام المصلحة النفسية فيه التى تصح بها العبادة فى الجملة ، ولو حال الغفلة والنسيان كما هو ظاهر.
وان كان النهى من قبيل الثالث اى النهى المتعلق بصفة العبادة كالنهى عن الجهر فى القراءة ، فمثل هذا العنوان حاك عن جهة غير متحدة مع القراءة ، فكل من الجهر عنوان له بحذاء خارجى لا ينطبق احدهما على الآخر ، فهما متحدان وجودا لا موجودا ، فاذا كان فى الجهر مفسدة قائمة به كان ذلك غير مرتبط بعالم القراءة ، فتكون الحرمة على هذا الوجه مختصة بالجهر ولا تتعدى الى القراءة ، فلو قرء بالجهر كانت قراءته صحيحة ، وان كان عاصيا فى جهره بها.
اللهم إلّا ان يفهم الارشادية من امثال هذه النواهى المتعلقة بصفات العبادة ، حتى يكون ظاهر النهى فيها دالا على مانعية الوصف المنهى عنه عن صحة الموصوف ، وقاضيا بفساد العبادة المقرونة بتلك الصفة ، ولا يبعد ان يكون مثل هذه الاستفادة غالبية فى النواهى المتعلقة بأوصاف العبادة ، إلّا ان تقوم قرينة صارفة عنه ، كما ربما يدعى قيامها فى مثل النهى فى لا تغصب فى هذه الصلاة ، فان ارتكازية الحرمة التكليفية فى الغصب تدافع الظهور الثانوى فى النهى المتعلق بصفة العبادة وتصرفه الى معنى الحرمة التكليفية فى الغصب حال الصلاة دون المانعية فتأمل (١).
__________________
(١) ـ وجه التأمل انه يمكن ان يقال : ان الحرمة التكليفية لا تختص بحال دون حال بل تشتمل حال الصلاة فتخصيصها به يقضى بأن المراد من النهى هو الارشاد الى المانعية ، ولا اقل من ان يكون ذلك مانعا عن الاعتماد على ما هو مرتكز الذهن فى الحرمة التكليفية.» مؤلف دام ظله