وبعد هذا كله فنقول : ان هذا الكلام منه ناظر الى كلام صاحب الفصول ، فلا باس بذكر بعض فقرات كلامه.
قال صاحب الفصول فى معانى الحروف : ان التحقيق ان الواضع لاحظ فى وضعها معانيها الكلية ، ووضعها بازائها باعتبار كونها آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة ، فلاحظ فى وضع «من» مثلا مفهوم الابتداء المطلق ، ووضعها بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال متعلقاتها الخاصة ، من السير والبصرة مثلا ، فيكون مداليلها خاصة لا محالة. (١)
وقال فى موضع آخر : اعلم ان الحروف حيث كانت موضوعة بازاء المفاهيم الملحوظ بها حال ما تعلقت به ، لا جرم كان معانيها الحقيقية معان خاصة مقيدة بمتعلقاتها الخاصة ، وتلك المعانى وان كانت فى حد انفسها كلية ، إلّا ان اعتبار تقيدها باللحاظ على الوجه الذى سبق ، يصيرها شخصية ممتنعة الصدق على الافراد المتكثرة ، فان الماهية متى اعتبرت بشرط التقييد بالوجود الذهنى وهو المراد باللحاظ او بالوجود الخارجى ، خرجت عن كونها كلية لا محالة ، فانها من صفات الماهية الموجودة فى الذهن عند تجريد النظر عن وجودها فيه ، ولا يلزم مما قررناه ان يكون الحروف باعتبار كل واحد من معاينها من متكثر المعنى ذاتا ، نظرا الى تعدد ما يعتريها من اللحاظ لان المسمى نفس المفهوم ، وهو لا يختلف فى موارده وان تعدد القيد المعتبر فى لحوق الوضع له فانه شرط خارج عن المسمى ، وليس بشرط داخل فيه ، فهى عند التحقيق موضوعة بازاء المفاهيم المقيدة باحد افراد الوجود الذهنى الآلي من غير ان يكون القيد و
__________________
(١) ـ الفصول فى الاصول : ١٦.