وكذا ما يذكرونه المتكلمون فى لزوم عقد القلب فى الاعتقاديات التى يتيقن بها من الامور الحقه ، فلربما يكون الانسان معتقدا للحق ولا يدين به قلبا كما قال تبارك وتعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا)(١) فإذا كان مثل هذه الامور الجنانية متحققة ، فلا يبعد ان يكون مراد القائل بالمغايرة هو تحقق القصد وعقد القلب على تحريك العبد نحو العمل ، وهذا مما يصلح ان يكون مورد توهم لزوم موافقته عقلا ، كما انه صالح لتعلقه بالمحال عنه القائل بالمغايرة.
ومن ثم فرع على المغايرة جواز الامر الامر بشىء مع علمه بانتفاء شرطه ، وهذا المعنى هو الطلب عنده وهو معنى ثالث غير العلم والارادة ، ومثل هذا المعنى لا يفتقر فى تحققه وانقداحه فى النفس الى مصلحة فى المتعلق كما هو مقتضى القول بالاتحاد على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
بل يجوز ان يكون ثمة مصلحة فى ايراد مثل هذا الطلب من غير ان يكون هناك مصلحة فى المتعلق.
فتلخص مما حققناه ان ما ينبغى ان يكون محلا للنزاع وموردا للنقض والابرام هو هذا المعنى الجنانى المغاير للعلم والارادة.
وربما يكون القائل بالاتحاد ينكر تعقل مثل هذا المعنى كما انكره جمع فى التشريع ، والانصاف انه غير قابل للانكار بل هو كالنار على المنار بشهادة الوجدان.
لكن ذلك لا يجدى القائلين بالمغايرة اذ لا نسلم ان مثل هذا المعنى هو موضوع حكم العقل بوجوب الموافقة وحرمة المخالفة ما لم يقترن بالارادة الحقيقية ، ضرورة ان الاوامر الصورية اذا لم يكن لها مصلحة
__________________
(١) ـ النمل : ١٤.