أن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات ، أن هذه القضية مما لم نقف لها على وجه ، لان موضوع أحد العلمين أن تميز بنفسه عن موضوع الآخر ، فالتمايز بين العلمين حاصل بنفس الموضوع ، ولا حاجة الى اعتبار الحيثية وان اشترك فاعتبارها لا يوجب التمايز. ألا ترى أن اللفظ العربى الذى هو موضوع العربية اذا أخذ من حيث الاعراب والبناء مثلا كما هو المعروف فى الكتب النحوية ، لم يوجب اختصاصه بعلم النحو لانه حال تقييده بهذا الاعتبار ، يعرض له أيضا أحوال الابنية ، ويلحقه احكام الفصاحة والبلاغة ، وغيرها لظهور أن لا منافاة بينها ، فيصح أن يقع مقيدا بهذه الحيثية ، موضوعا لتلك العلوم. وكذا اذا أعتبر مقيدا بسائر الحيثيات ، الى أن قال :
فالتحقيق أن يقال : تمايز العلوم اما بتمايز الموضوعات ، كتمايز علم النحو عن علم المنطق وتمايزهما عن علم الفقه ، أو بتمايز حيثيات البحث كتمايز علم النحو عن علم الصرف وتمايزهما عن المعانى ، فإن هذه العلوم وان اشتركت فى كونها باحثة عن أحوال اللفظ العربى ، إلا أن البحث الاول من حيث الاعراب والبناء ، وفى الثانى من حيث الابنية ، وفى الثالث من حيث الفصاحة والبلاغة فهم وان أصابوا فى اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم ، لكنهم أخطأ وافى أخذها قيدا للموضوع. والصواب أخذها قيدا للبحث ، وهى عند التحقيق عنوان إجمالي للمسائل التى تقرر فى العلم انتهى كلامه رفع مقامه (١)
ومراده من اعتبار الحيثية فى البحث هو اعتبار اختلاف المحمول فى قضايا العلوم ، كما يشهد بذلك قوله أخيرا وعند التحقيق الخ ،
__________________
(١) ـ الفصول فى الاصول ص ١١.