من خروج المفهوم خروجه بمنشئه لا وحده ، اذ المفهوم اذا كان عرضيا فمنشأ انتزاعه يكون مثله عرضيا ايضا ، لكونه امرا آخر وراء الجنس والفصل خارجا عن ذاتياته لاجتماعه معهما ، وما يكون مجتمعا مع تمام الذاتيات لم يكن عين كل واحد منها بل يكون خارجا عنها ، فاذا كان المفهوم خارجا عن الناطق الذى هو فصل ذكر بعبارة المشتق ، فاللازم خروجه بمنشإ انتزاعه لا وحده مع بقاء المنشا مأخوذا ، وإلّا لعاد المحذور من دخول العرض فى الفصل لما عرفت من ان المنشا كالمفهوم ايضا عرضى.
والحاصل ان تمامية الحجة يبتنى على اخذ البساطة المدعاة بالمعنى الاول لكن هذا يأباه قوله فى تحرير محل النزاع منتزع عن الذات الخ لظهور العبارة فى دخالة الذات فى منشإ الانتزاع ولعله نظر.
إلّا ان المشتق لما كان له وجهة الى الذات ، فكان يرى فى عالم النظر والاعتبار متحدا مع الذات منتزعا عنها انتزاعا ادعائيا لا حقيقيا فبهذه العناية بنى على انتزاع المفهوم الاشتقاقى عن الذات فلا ينافى ذلك خروج الذات عن المشتق مفهوما ومنشأ.
وكيف كان فيمكن الجواب عن هذا التقريب من الاستدلال بما ذكر فى الفصول من امكان اختيار الوجه الثانى «ويجاب بان المحمول ليس مصداق الشىء والذات مطلقا ، بل مقيدا بالوصف وليس ثبوته حينئذ للموضوع بالضرورة لجواز ان لا يكون القيد ضروريا انتهى.» (١).
وكانه يريد بذلك ان الضرورية تفتقر الى حمل المساوى على
__________________
(١) ـ الفصول فى الاصول : ٦١ وفيه لجواز ان لا يكون ثبوت القيد ضروريا.