الشافعي (١) ـ وهو الأقوى عندي ؛ لأنّ الواجب أداء المناسك في المشاعر المخصوصة ، ولهذا لو خرج بنيّة التجارة ثم جدّد نيّة الحجّ عند المواقيت ، أجزأه فعله ، فعَلِمْنا أنّ قطع المسافة غير مطلوب للشرع .
ولما رواه حريز بن عبد الله عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أعطى رجلاً حجّةً يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة ، قال : « لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تمّ حجّه » (٢) .
وسأل علي بن رئاب ، الصادق عليه السلام عن رجل أوصى أن يحجّ عنه حجّة الإِسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلّا خمسين درهماً ، قال : « يحجّ عنه من بعض المواقيت الذي وقّت رسول الله صلّى الله عليه وآله من قرب » (٣) ولم يستفصل الإِمام عليه السلام في الجواب هل يمكن أن يحجّ بها من أبعد من الميقات أم لا ؟
احتجّ الآخرون : بأنّ الحجّ وجب على الميّت من بلده فوجب أن ينوب عنه منه ؛ لأنّ القضاء يكون على وفق الأداء ، كقضاء الصلاة والصيام (٤) .
ونحن نمنع الوجوب من البلد ، وإنّما ثبت اتّفاقاً ، ولهذا لو اتّفق له اليسار في الميقات ، لم يجب عليه الرجوع إلى بلده لإِنشاء الإِحرام منه ، فدلّ على أنّ قطع المسافة ليس مراداً للشارع .
تذنيبات :
لو كان له موطنان ، قال الموجبون للاستنابة من بلده : يستناب من أقربهما (٥) . فإن وجب عليه الحجّ بخراسان ومات ببغداد ، أو وجب عليه
__________________
(١) المغني ٣ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٤١٥ / ١٤٤٥ .
(٣) الاستبصار ٢ : ٣١٨ / ١١٢٨ ، والتهذيب ٥ : ٤٠٥ / ١٤١١ .
(٤) المغني ٣ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٧ .
(٥) المغني ٣ : ١٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٩٧ .