(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي) (١).
الشيخ عبد السلام : أظن أنّه عليهالسلام اعتزل عنهم قلبا لا جسما.
[فهو وإن كان مخالفا لهم قلبا ، ولكنه كان يعيش بينهم ويشاركهم].
قلت : ولكن لو راجعت التفاسير لوجدت أنّ أكثر المفسرين قالوا : بأنّه عليهالسلام فارقهم بجسمه أيضا وابتعد عنهم ، فالفخر الرازي في تفسيره الكبير : ج ٥ / ٨٠٩ قال [الاعتزال للشيء هو التباعد عنه ، والمراد إنّي أفارقكم في المكان وأفارقكم في طريقتكم.]
وذكر أرباب السير والتاريخ أنّ إبراهيم هاجر من بابل ، وسكن الجبال مدّة سبعة أعوام ، ثم رجع إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده ، وأن يتركوا عبادة الأصنام ، ثم جرى ما جرى حتى ألقوه في النار ، فجعلها الله سبحانه عليه بردا وسلاما.
ويحدّثنا القرآن الحكيم عن فرار موسى بن عمران وخروجه من بلده خائفا ، فيقول : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢).
ويحدثنا الله تعالى في كتابه عن مخالفة قوم موسى لأخيه وخليفته هارون ، وأنّهم عبدوا العجل الذي صنعه السامريّ ، فلما عاد إليهم موسى ورأى انقلابهم وكفرهم وسكوت هارون على أفعالهم المخالفة للدين وللشريعة الإلهية ، عاتبه على ذلك ، كما نفهم من قول الله سبحانه : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ، قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
__________________
(١) سورة مريم ، الآية ٤٨.
(٢) سورة القصص ، الآية ٢١.