قلت : إنّ إعلان حمزة إيمانه وإظهار إسلامه ، وكتمان أبي طالب إيمانه وإسلامه كان عن حكمة وتدبير ، فقد كان حمزة رجل الضّرب والحرب ، جسورا في اقتحام المعارك ، فلما أظهر إيمانه وأعلن اسلامه ، قويت شوكة المسلمين وكانوا مستضعفين ، فإسلام حمزة بعث فيهم الروح وقوّى معنوياتهم وشدّ عزائمهم. لكن أبا طالب كان رجل الحكمة والتدبير ، وكان هو آنذاك يتزعّم بني هاشم ، فكانوا تحت لوائه ، وحتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان تحت كفالته وحمايته ، وكانت قريش تراعي مقامه وشخصيّته لأنّهم يحسبونه منهم ، وعلى طريقتهم ودينهم ، فكانوا يتنازلون له ويواجهونه باللّين ، حتى أنّهم كانوا يطمعون فيه أن يسلّمهم محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيقضوا عليه ويقتلوه (١).
__________________
(١) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١٤ / ٨١ و ٨٢ ، ط دار إحياء الكتب العربية : قالوا [وإنما لم يظهر أبو طالب الإسلام ويجاهر به ، لأنّه لو أظهره لم يتهيّأ له من نصر النبي (ص) ما تهيّا له ، وكان كواحد من المسلمين الذين اتّبعوه ، نحو أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما ممّن أسلم ، ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه حينئذ ، وإنّما تمكّن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وان أبطن الإسلام ، كما لو أنّ إنسانا كان يبطن التشيّع مثلا ، وهو في بلد من بلاد الكرّامية ـ أعداء للشيعة ـ وله في ذلك البلد وجاهة وقدم ، وهو يظهر مذهب الكرامية ، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه ، فإنّه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد ، يكون أشدّ تمكّنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر ، فلو أظهر ما يجوز من التشيّع ، وكاشف أهل البلد بذلك. صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم ، ولم يتمكّن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أوّلا.] «المترجم»