__________________
واستمع إلى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٩ / ١١٦ ، ط دار احياء التراث العربي بيروت / لما يريد أن يذكر بعض فضائله عليهالسلام يقول [واعلم أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لو فخر بنفسه وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله تعالى إيّاها واختصه بها ، وساعده على ذلك فصحاء العرب كافّة ، لم يبلغوا الى معشار ما نطق به الرسول الصادق صلوات الله عليه في أمره ... وبعد ما ينتهي من نقل الأخبار والأحاديث الناطقة بفضائله ومناقبه يقول : واعلم أنّا إنما ذكرنا هذه الأخبار هاهنا ، لأنّ كثيرا من المنحرفين عنه ٧ إذا مرّوا على كلامه في نهج البلاغة وغيره المتضمّن التحدث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول له (ص) وتمييزه إيّاه عن غيره ، ينسبونه إلى التيه والزهو والفخر ، ولقد سبقهم بذلك قوم من الصحابة ، قيل لعمر : ولّ عليا أمر الجيش والحرب ، فقال : هو أتيه من ذلك! وقال زيد بن ثابت : ما رأينا أزهى من عليّ وأسامة.
فأردنا بايراد هذه الأخبار هاهنا عند تفسير قوله : «نحن الشعار والأصحاب ، ونحن الخزنة والأبواب» ، أن ننبّه على عظم منزلته عند الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنّ من قيل في حقه ما قيل لو رقى إلى السماء وعرج في الهواء وفخر على الملائكة والأنبياء ، تعظما وتبجّحا ؛ لم يكن ملوما ، بل كان بذلك جديرا ، فكيف وهو عليهالسلام لم يسلك قطّ مسلك التعظم والتكبّر في شيء من أقواله ولا من أفعاله ، وكان ألطف البشر خلقا ، وأكرمهم طبعا ، وأشدهم تواضعا ، وأكثرهم احتمالا ، وأحسنهم بشرا ، وأطلقهم وجها ، حتى نسبه من نسبه إلى الدّعابة والمزاح ، وهما خلقان ينافيان التكبّر والاستطالة ، وإنما كان يذكر أحيانا ما يذكره من هذا النوع نفثة مصدور ، وشكوى مكروب ، وتنفّس مهموم ، ولا يقصد به اذا ذكره إلاّ شكر النعمة ، وتنبيه الغافل على ما خصّه الله به من الفضيلة ، فانّ ذلك من باب الأمر بالمعروف والحضّ على اعتقاد الحق والصواب في أمره ، والنهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه