بعدك من المستضعفين ، وأصبحت الناس عنّا معرضين!! ثم تأخذ تراب القبر فتشمه وتنشد :
ما ذا على من شمّ تربة أحمد |
|
أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا |
صبّت عليّ مصائب لو أنّها |
|
صبّت على الأيام صرن لياليا |
فماتت مقهورة مظلومة ، في ربيع العمر وعنفوان الشباب ، وأوصت إلى عليّ عليهالسلام أن يغسّلها ويجهّزها ليلا ، ويدفنها ليلا إذا هدأت الأصوات ونامت العيون ، وأوصت أن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها وآذاها.
وامتثل الإمام علي عليهالسلام أمرها وعمل بوصيّتها.
ولما وضعها في لحدها وأهال عليها التراب ، هاج به الحزن فتوجّه إلى قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول «السلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللّحاق بك ... إلى أن يقول :
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فلقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرّهينة! أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبّئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها ، فأحفها السّؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، والسلام عليكما سلام مودّع ، لا قال ولا سئم». الخ.
كنت في أواخر حديثي هذا مستعبرا باكيا ، وكذلك أكثر أهل المجلس بل كلّهم ، وكان الحافظ حفظه الله منكّسا رأسه إلى الأرض ودموعه تجري ويستغفر الله ويردّد الآية الكريمة : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١)
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ١٥٦.