فيضلوا عن سبيل الله سبحانه ، فقد قال عزّ وجلّ : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (١). وبيّنا لكم في المجالس السابقة أنّ النبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم عيّن الإمام عليّ عليهالسلام وصيّا وأوصى إليه بأمر من الله سبحانه وعيّنه خليفة من بعده ليهدي أمّته إلى الحق وإلى الصراط المستقيم ، ولكن السياسة اقتضت أن يخالفوا وصية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فعدلوا عنه إلى أبي بكر وعمر وعثمان وقد كانوا يستشيرونه في أكثر الأمور ، فكان يشير عليهم بالحق والصواب ، وهو الذي كان يواجه علماء الأديان المناوئين للإسلام فيردّ شبهاتهم ويجيب على مسائلهم.
ولمّا آل الأمر إلى بني أمية واغتصب معاوية عرش الخلافة ، عاملوه وعاملوا أئمة أهل البيت والعترة الهادية عليهمالسلام بكل قساوة ، فما شاوروهم في أي أمر من الأمور بل خالفوهم وما أذنوا لهم بنشر علومهم وبيان ما أخذوه من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فطاردوا شيعتهم ومحبيهم وقتلوهم وسجنوهم وأبعدوهم إلى أن انتهت هذه السياسة الظالمة والسيرة الجائرة الغاشمة بقيام عامّ من المسلمين ضدّ بني أمية فأبادوهم ، وانتقل الحكم إلى بني العباس وكان ذلك في عصر الإمام الصادق عليهالسلام الذي اغتنم هذه الفرصة التي أتيحت له بانشغال الدولتين ففتح باب بيته على مصراعيه ليستقبل من روّاد العلم وطلاّبه ، فوفد نحوه العلماء من كل صوب ومن كل مكان ليرتووا من منهله ويستقوا من منبعه العذب الصّافي ، وقد عدّ بعض المحققين والمؤرّخين تلاميذه فتجاوز الأربعة آلاف ، فالتفّ حوله طلاّب الحق فكشف لهم الحقائق العلمية ، وأوضح لهم المسائل الاعتقادية ، وبيّن لهم المسائل الدينية
__________________
(١) سورة الرعد ، الآية ٧.