ليس عليه ذمام».
فتفرّق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتّى بقي من أصحابه الّذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممّن انضمّوا إليه ، فلو كان عليهالسلام يطلب الحكومة والرئاسة ، لمّا فرّق أصحابه ، بل كان يشدّ عزائمهم ويطمئنهم بالنصر ويغريهم بالمال والولايات ، كما هو شأن كلّ قائد سياسي ومادّي مع جنوده.
وكذلك لمّا التقى عليهالسلام بالحرّ بن يزيد الرياحي وجنوده ، وقد أخذ العطش منهم كلّ مأخذ وقد أشرفوا على الموت ، فسقاهم الحسين عليهالسلام وروّاهم حتّى أنقذهم من الهلاك ، وهو عليهالسلام يعلم أنهم ضدّه وليسوا من أنصاره.
فلو كان الحسين عليهالسلام يطلب الدنيا والحكم لاغتنم الفرصة في الحرّ وأصحابه وتركهم يموتون عطشا ، ثمّ يمضي هو عليهالسلام إلى ما يريد ، وربّما لو كان ذلك لكانت المقاييس تنقلب ، وكان التاريخ غير ما نقرأه اليوم!
وكذلك خطبته عليهالسلام ليلة العاشر من المحرّم ، حينما جمع أصحابه وأذن لهم أن يذهبوا ويتفرّقوا عنه ويتركوه مع الأعداء ، لأنّهم لا يريدون غيره ، ولكنّهم قالوا : إنّهم يحبّون أن يقتلوا دونه ، ولا يريدون العيش بعده ؛ وقد صدقوا.
وفي ظلام الليلة العاشرة من المحرّم التحق به عليهالسلام ثلاثون رجلا من معسكر ابن زياد ، لأنّهم سمعوا صوت القرآن والدعاء يعلو في معسكر الحسين عليهالسلام بينما كان معسكرهم يلهو ويلعب ، فعرفوا أنّ الحقّ مع الحسين فانضمّوا إليه وكانوا من المستشهدين بين يديه.