راجعوا قصّة سليمان عليهالسلام في سورة النمل ، الآيات ٣٨ ـ ٤٠ : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ* قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ* قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ...).
من الواضح أنّ الإتيان بعرش بلقيس من ذلك المكان البعيد ، بأقلّ من لمحة بصر ، لم يكن هيّنا وليس من عمل الإنسان العاجز الذي لا حول له ولا قوّة ، فهو عمل جبّار خارق للعادة ، وسليمان مع علمه بأنّ هذا العمل لا يمكن إلاّ بقدرة الله تعالى وبقوّة إلهيّة ، مع ذلك ما دعا الله سبحانه في تلك الحاجة ولم يطلبها من ربّه عزّ وجلّ ، بل أرادها من المخلوقين ، واستعان عليها بجلسائه العاجزين.
فهذا دليل على أنّ الاستعانة بالآخرين في الوصول إلى مرادهم ، وطلب الحوائج من الناس ، لا ينافي التوحيد ، وليس بشرك كما تزعمون ، فإنّ الله سبحانه وتعالى جعل الدنيا دار أسباب ومسبّبات ، وعالم العلل والمعلولات.
وحيث إنّ الشرك أمر قلبي ، فإذا طلب الإنسان حاجته من آخر ، أو استعان في تحقق مراده والوصول إلى مقصوده بمن لا يعتقد بألوهيّته ولا يجعله شريكا للباري ، وإنّما يعتقد أنّه مخلوق لله عزّ وجلّ ، وهو إنسان مثله ، إلاّ أنّ الله عزّ وجلّ خلقه قويّا وقادرا بحيث يتمكّن من إعانته في تحقق مراده وقضاء حاجته ، فلا يكون شركا.
وهذا أمر دائر بين المسلمين جميعا ، يعمل به المؤمنون عامة ،