وقد علّقت فقلت : لأنّه يخاف من الجهّال أن يفقئوا عينه الأخرى.
فضحك جمع من الحاضرين بصوت عال.
ثمّ قلت : بالله عليكم أنصفوا ... ألم يكن هذا الخبر الذي أضحككم من الخرافات والخزعبلات؟! وإنّي لأتعجّب من رواة هذا الخبر وناقليه!!
وأستغرب منكم ، إذ تصدّقون هذا الخبر وأشباهه ، ولا تسمحون لأحد أن يناقشها وينتقدها ، حتّى لعلمائكم!!
فإن في هذه الرواية ما لا يجوز على الله تعالى ولا على أنبيائه ولا على ملائكته!!
أيليق بالله العظيم أن يصطفي من عباده ، جاهلا خشنا يبطش بملك من الملائكة المقرّبين وهو مبعوث من عند الله تعالى ، فيلطمه لطمة يفقأ بها عينه؟!
أليس هذا العمل عمل المتمرّدين والطاغين الّذين يذمّهم الله العزيز إذ يقول : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (١)؟!
فكيف يجوز هذا على من اختاره الله الحكيم لرسالته ، واصطفاه لوحيه ، وآثره بمناجاته ، وكلّمه تكليما (٢) وجعله من اولي العزم؟!
وكيف يكره الموت هذه الكراهة الحمقاء فيلطم ملك الموت وهو مأمور من قبل الله تعالى ، تلك اللطمة النكراء فيفقأ بها عينه مع شرف مقامه ورغبته في القرب من الله تعالى والفوز بلقائه عزّ وجلّ؟!
__________________
(١) سورة الشعراء ، الآية ١٣٠.
(٢) إشارة إلى سورة النساء ، الآية ١٦٤ ، والآية هكذا : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً).