ويؤيّد ما ذكرنا بل يدل عليه في وجه ـ مضافا إلى ما عرفت من كونه قضيّة ظاهر أدلّة نفي الحرج ـ : أنه لا شبهة في كون ما ورد في ذلك مسوقا للإمتنان على العباد كما يكشف عن ذلك حديث « رفع التسعة » لو كان ما فيه الحرج مرادا مما لا يطاق (١) الحديث.
حيث إن جعل التكليف مع الحرج على العباد ولو كان أجر إطاعته أكثر يوجب غالبا عصيان الشارع بالنسبة إلى غير التكليف الحرجي فضلا عن الحرجي ، بل ربّما يوجب مع كثرته رفع اليد عن الدين في حق الغالب. وبهذه الملاحظة كان مبنى تبليغ الرسل على بيان الأحكام تدريجا ، فإذا فوّت الشارع مصلحة التكليف في حق المكلّف فيتداركها بالتسهيل.
ومن المعلوم عدم اقتضاء ذلك رفع الحكم عن فعل لا حرج فيه أصلا بالنسبة إلى بعض جزئيّاته في حق تمام المكلّفين ، أو عن فعل لا حرج فيه أصلا ومطلقا بالنسبة إلى مكلّف خاصّ ، وإن كان حرجيّا في حقّ غيره بالنسبة إلى تمام جزئيّاته ومصاديقه ؛ فإن تفويت شخص المصلحة عن نوع المكلفين ، وتفويت نوع المصلحة الملزمة عن مكلّف مع عدم التدارك بالتسهيل خلاف سوقه للامتنان على العباد. مضافا إلى ما قيل من كونه خلاف مقتضى الحكمة والعقل ؛ إذ كما لا يجوز
__________________
(١) التوحيد : ٣٥٣ « بيانه في مشيئة الله تعالى وإرادته » ـ ح ٢٤ ، والخصال : ٤١٧ « النهى عن تسعة أشياء » ـ ح ٩ ، عنها وسائل الشيعة : ج ١٥ / ٣٦٩ باب « جملة مما عفي عنه » ـ ح ١.