المكلف بالقضاء مع انه لا يسعه امتثال التكليف لا فى حال كفره لان صحة الاعمال مشروط بالاسلام ، ولا فى حال اسلامه لان الاسلام يجب ما قبله ، مع انه لو مات كافرا يستحق العقوبة على مخالفة التكليف بالقضاء وليس ذلك إلّا لكونه متمكنا من رفع التكليف عن نفسه بإسلامه الموجب للامتنان عليه بارتفاع التكليف بالقضاء عنه ، وفى المقام كذلك فان المأمور به ان يأتى بأحد الضدين لكى يسقط عنه التكليف بالضد الآخر ، ومع ذلك قد تماهل حتى ترك الضدين معا فلم تمتثل التكليف ولا عمل ما يؤدى الى سقوط عنه ، وقد كان يسعه امتثال احد تكليفيه واسقاط الآخر عنه بوجه مقبول عند الشارع ، فأستحق بذلك عقوبتين على ما فوت على نفسه من التكليفين اللذين توجها اليه ، وهو متمكن من الخروج عن عهد تهما بامتثال احدهما واسقاط الآخر ولم يفعل ذلك فان العقل لا يستقبح عقاب مثل هذا العبد بعقوبتين.
ولا ينتقض علينا بالواجبات التخييرية فى غير المقام كخصال الكفارة المستتبعة للعقوبة الواحدة ، اذ لا فرق بين المقام وسائر المقامات ، لتعدد الغرض هنا بخلافه فى الكفارة وقد ذكرنا فى مطاوى كلماتنا فى المباحث السابقة ان تعدد العقوبة ووحدتها تابعة لوحدة الغرض وتعدده ، وهنا لما كان الغرض متعددا على حسب تعدد التكليف استاهل العبد فى عصيانه عقوبتين ، واما اذا اطاع استحق بذلك مثوبة واحدة لانه لم تمتثل الا تكليفا واحدا ، لتعذر امتثاله التكليفين معا من جهة المزاحمة والتضاد ، ولو لا المزاحمة بينهما لكان يلزمه مراعاة التكليفين معا ، إلّا انه لمكان التنافى الحاصل بينهما من جهة التضاد والمزاحمة ، حكم العقل بسقوط المقدار الذى يجىء منه التنافى فى التكليف وهو التكليف بالضد فى حال التشاغل بالضد الآخر المساوى له فى المصلحة ، فيسقط ذلك المقدار