لا يعجب السامعون من صفتي |
كذلك الثلج بارد حار |
فهذا مذهب كلامي فلسفي» (١). ولكنه وجد أمثلة هي أولى بهذه التسمية مما ذكره المؤلفون كنحو قول ابراهيم بن المهدي يعتذر الى المأمون من وثوبه على الخلافة :
البرّ منك وطاء العذر عندك لي |
فيما فعلت فلم تعذل ولم تلم |
|
وقام علمك بي فاحتج عندك لي |
مقام شاهد عدل غير متّهم |
وقول أبي عبد الرحمن العطوي :
فوحق البيان يعضده البر |
هان في مأقط ألدّ الخصام |
|
ما رأينا سوى الحبيبة شيئا |
جمع الحسن كلّه في نظام |
|
هي تجري مجرى الاصابة في الرأ |
ي ومجرى الأرواح في الأجسام (٢) |
وبدأ المذهب الكلامي يأخذ صورته الواضحة في كتب البلاغة ، فالتبريزي علّق على أبيات النابغة الذبياني : ـ
ولكنني كنت امرء لي جانب |
من الأرض فيه مستراد ومذهب |
|
ملوك وإخوان إذا ما لقيتهم |
أحكّم في أموالهم وأقرّب |
|
كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم |
فلم ترهم في مثل ذلك أذنبوا |
بقوله : «أي لا تلمني في مدحي آل جفنة وقد أحسنوا اليّ كما لو أحسنت الى قوم فشكروا لك ولم تر ذلك ذنبا. وهذه طريقة الجدل ، وانما اتفق له بجودة القريحة وفضل التمييز» (٣).
وقال المصري : «المذهب الكلامي عبارة عن احتجاج المتكلم على المعنى المقصود بحجة عقلية تقطع المعاند له فيه ؛ لأنّه مأخوذ من علم الكلام الذي هو عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين العقلية. وهو الذي نسبت تسميته الى الجاحظ وزعم ابن المعتز أنّه لا يوجد في الكتاب العزيز وهو محشو منه» (٤).
وبدأ هذا الفن يدخل في المحسنات المعنوية على يد أصحاب بلاغة السكاكي وقد عرّفه ابن مالك بقوله : «المذهب الكلامي أن تورد مع الحكم ردا لمنكره حجة على طريق المتكلمين أي صحيحة مسلّمة الاستلزام. وينقسم الى منطقي وجدلي ، فالمنطقي ما كانت حجته برهانا يقيني التأليف قطعي الاستلزام ، والجدلي ما كانت حجته أمارة ظنية لا تفيد إلا الرجحان. وأول من ذكر المذهب الكلامي الجاحظ وزعم أنّه ليس في القرآن منه شيء (٥) ، ولعله انما عنى القسم المنطقي فان الجدلي في القرآن منه كثير» (٦).
وقال الحلبي : «هو ايراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام» (٧).
وقال ابن الأثير الحلبي : «وحقيقة هذا النوع احتجاج المتكلم على خصمه بحجة تقطع عناده وتوجب له الاعتراف بما أدعاه المتكلم وإبطال ما أورده الخصم» (٨).
وسار القزويني وشراح تلخيصه على مذهب ابن مالك في إدخال هذا الفن في المحسنات المعنوية
__________________
(١) العمدة ٢ ص ٨٠.
(٢) العمدة ج ٢ ص ٧٩.
(٣) الوافي ص ٢٨٨ ، قانون البلاغة ص ٤٥٤.
(٤) تحرير التحبير ص ١١٩ ، بديع القرآن ص ٣٧.
(٥) هذا زعم ابن المعتز.
(٦) المصباح ص ٩٤ ، وينظر عروس الافراح ج ٤ ص ٣٦٩.
(٧) حسن التوسل ص ٢٢١ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٤.
(٨) جوهر الكنز ص ٣٠٢.