يطرّدنا الرعيان من كل تلعة |
فلا عيشنا يصفو ولا الموت يقرب |
فقيل : إنّ عزّة لما سمعت هذا قالت : تمنّيت لك الشقاء الطويل.
ومنه قول عمر بن ابي ربيعة :
وإذا تلسنني ألسنها |
انني لست بموهون فقر |
وهذا ضدّ ما فطر عليه طباع المحبين من احتمال المحبوبين والسكون وانقطاع الكلام عند رؤيتهنّ.
ومن ذلك قول جميل :
أريد لأنس ذكرها فكأنّما |
تخيّل لي ليلى بكلّ سبيل |
وهذا خلاف مذاهب الشعراء لأنّهم يحرصون على دوام ذكرهم وطول محبتهم. ونقل ابن قيّم الجوزيّة تعريف ابن منقذ وقال : «والقرآن العظيم كله مخالف لأساليب الشعر وقوانين النظم والنثر التي يستعملها الناظمون والناثرون» (١). وسمّى قدامة ذلك «مخالفة العرف» وهو من عيوب المعاني وذلك أن يؤتى بما ليس في العادة والطبع (٢).
والمخالفة في فصاحة اللفظة هي مخالفة القياس كقول أبي النجم العجلي «الحمد لله العليّ الأجلل» فإن القياس «الأجلّ» بالإدغام. (٣).
مخالفة ظاهر اللّفظ معناه :
وهو أنواع كثيرة ، وقد تحدّث ابن قتيبة (٤) عنها ومن ذلك الدعاء على جهة الذم لا يراد به الوقوع كقوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)(٥) وقوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ)(٦). وقد يراد بهذا ايضا التعجب من إصابة الرجل في منطقه أو في شعره أو رميه فيقال : «قاتله الله ما أحسن ما قال» و «أخزاه الله ما أشعره» و «لله درّه ما أحسن ما اجتمع به». ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان كقوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٧) أي :يجازيهم جزاء الاستهزاء.
ومنه أن يأتي الكلام على مذهب الاستفهام وهو تقرير كقوله سبحانه : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٨).
ومنه أن يأتي على مذهب الاستفهام وهو تعجّب كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ)(٩).
كأنه قال : عمّ يتساءلون يا محمد؟ ثم قال : عن النبأ العظيم يتساءلون.
ومنه أن يأتي على مذهب الاستفهام وهو توبيخ كقوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ)(١٠).
ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)(١١). وأن يأتي على لفظ الأمر وهو تأديب كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)(١٢). وعلى لفظ الأمر وهو إباحة كقوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً)(١٣) وعلى لفظ الأمر وهو فرض كقوله سبحانه : (وَاتَّقُوا اللهَ)(١٤).
__________________
(١) الفوائد ص ٢٣٤.
(٢) نقد الشعر ص ٢٤٤ ، وينظر الموشح ص ٣٦٢.
(٣) الايضاح ص ٣ ، التلخيص ص ٢٥ ، شروح التلخيص ج ١ ص ٨٨ ، المطول ص ١٩ ، الأطول ج ١ ص ٢٠.
(٤) تأويل مشكل القرآن ص ٢١٣ ـ ٢٢٩.
(٥) الذاريات ١٠.
(٦) عبس ١٧.
(٧) البقرة ١٤ ـ ١٥.
(٨) المائدة ١١٦.
(٩) النبأ ١ ـ ٢.
(١٠) الشعراء ١٦٥.
(١١) فصلت ٤٠.
(١٢) الطلاق ٢.
(١٣) النور ٣٣.
(١٤) البقرة ٢٨٢.