باب التأويل ، وفي ذلك ما يكسب التشبيه قوة وروعة وتأثيرا. قال المصري : «حدّ التشبيه البليغ إخراج الأغمض الى الأظهر بالتشبيه مع حسن التأليف» (١).
وعدّ القزويني البعيد من البليغ لغرابته ولأنّ الشيء إذا نيل بعد الطلب له والاشتياق اليه كان نيله أحلى وموقعه من النفس ألطف. وليس البعد في التشبيه هو التعقيد لأنّ التعقيد سوء ترتيب الالفاظ واختلال الانتقال من المعنى الأول الى المعنى الثاني (٢).
التّشبيه التّخييليّ :
عدّ المدني التخييلي الذي يكون وجه الشبه فيه لا يوجد إلا على سبيل التخييل مثل قول القاضي التنوخي :
وكأنّ النجوم بين دجاها |
سنن لاح بينهنّ ابتداع |
وقول أبي طالب الرقي :
ولقد ذكرتك والظلام كأنّه |
يوم النّوى وفؤاد من لم يعشق |
وقول الآخر :
ربّ ليل كأنّه أملي في |
ك وقد رحت منك بالحرمان (٣) |
وهو تشبيه المحسوس بالمعقول الذي قال عنه الرازي : «إنّه غير جائز لأنّ العلوم العقلية مستفادة من الحواس ومنتهية اليها ولذلك قيل : «من فقد حسا فقد فقد علما». واذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيهه به يكون جعلا للفرع أصلا وللأصل فرعا وهو غير جائز ولذلك لو حاول محاول المبالغة في وصف الشمس بالظهور والمسك بالطيب فقال : «الشمس كالحجة في الظهور» و «المسك كأخلاق فلان في الطيب» كان سخيفا من القول» (٤).
تشبيه التّسوية :
هو تعدد المشبه دون المشبه به ، قال الوطواط : تشبيه التسوية ، وتكون هذه الصفة بأن يأخذ الشاعر صفة من صفاته وصفة من صفات مقصوده ويشبه الاثنين بشيء واحد لأنّهما من قبيله» (٥). ومنه قول الوطواط نفسه :
صدغ الحبيب وحالي |
كلاهما كالليالي |
|
ثغوره في صفاء |
وأدمعي كاللآلي |
وقال الحلبي والنويري : «هو أن يأخذ صفة من صفات نفسه وصفة من الصفات المقصودة ويشبههما بشيء واحد» (٦). وذكر البيتين السابقين.
تشبيه التّفضيل :
قال الوطواط : «تشبيه التفضيل ، وتكون هذه الصنعة بان يشبه الشاعر شيئا بشيء آخر ثم يعود فيفضل المشبه على المشبه به» (٧) كقول الشاعر :
حسبت جماله بدرا مضيئا |
وأين البدر من ذاك الجمال؟ |
وقول أبي الفرج هندو :
من قاس جدواك بالغمام فما |
أنصف في الحكم بين هذين |
__________________
(١) تحرير التحبير ص ١٥٩.
(٢) الايضاح ص ٢٥٩ ، التلخيص ص ٢٨٥.
(٣) أنوار الربيع ج ٥ ص ٢٠٠ وما بعدها.
(٤) نهاية الايجاز ص ٥٩ ، وينظر البرهان ج ٣ ص ٤٢٠.
(٥) حدائق السحر ص ١٤٤.
(٦) حسن التوسل ص ١١٧ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٤٣ ، وينظر الايضاح ص ٢٤٨ ، التلخيص ص ٢٧٣ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٤٢٩ ، المطول ص ٣٣٨ ، الاطول ج ٢ ص ٩٨ ، شرح عقود الجمان ص ٨٧.
(٧) حدائق السحر ص ١٤٨.