وقسّم ابن مالك التعليق الى قسمين :
الأول : أن تأتي في شيء من الفنون بمعنى تام فيه توطئة لما تذكره بعد من معنى آخر ، أما في ذلك الفن كقول أبي نواس :
لهم في بيتهم نسب |
وفي وسط الملا نسب |
|
لقد زنّوا عجوزهم |
ولو زنّيتها غضبوا |
فعلق هجوهم بالسخف والحماقة بهجوم بفجور أمهم ودناءة أبيهم حيث لم يرضوه وادعوا غيره. وأما من فن آخر كقول المتنبي في صفة الليل :
أقلّب فيه أجفاني كأنّي |
أعدّ بها على الدّهر الذنوبا |
فعلّق في عتاب الزمان بفن الغزل اللازم من الوصف.
الثاني : أن يتضمن التعليق بالشرط وراء التلازم للدلالة على زيادة المبالغة كقول أبي تمام :
فان أنا لم يمدحك عني صاغرا |
عدوّك فاعلم أنّني غير حامد |
فانه كنّى بتعليق عدم حمده لممدوحه على عدم حمد عدوه صاغرا عن المبالغة وعلو همته واقتدار ممدوحه على كثرة العطاء (١).
وذكر العلوي هذين القسمين وأمثلتهما بعد أن عرّف التعليق بقوله : «وهو في لسان علماء البيان مقول على حمل الشيء على غيره لملازمة بينهما» (٢).
وعاد ابن قيم الجوزية الى مذهب ابن منقذ فعقد للتعليق والادماج فصلا واحدا وعرّفه بمثل تعريفه (٣).
التّعليل :
علّله بطعام وحديث ونحوهما : شغله بهما ، يقال :
فلان يعلّل نفسه بتعلّة : وتعلّل به أي تلهّى به (٤).
التعليل هو حسن التعليل ، وقد ذكر ابن سنان الاستدلال بالتعليل ولم يعرّفه (٥). وتحدث عبد القاهر عن التخييل ، ويفهم من كلامه أنّه يريد به حسن التعليل فقد قال : «وجملة الحديث الذي أريد بالتخييل ههنا ما يثبت فيه الشاعر أمرا هو غير ثابت أصلا ويدعي دعوة لا طريق الى تحصيلها ويقول قولا يخدع فيه نفسه» (٦). وسماه الرازي «حسن التعليل» وقال : «هو أن يذكر وصفان أحدهما لعلة الآخر ويكون الغرض ذكرهما جميعا» (٧) ، كقول القائل :
فان غادر الغدران في صحن وجنتي |
فلا غرو منه لم يزل وابلا يهمي |
وقال الحلبي والنّويري : «هو أن يدعى لوصف علة مناسبة له باعتبار لطيف وهو أربعة أضرب ، لأنّ الصفة إما ثابتة قصد بيان علتها أو غير ثابتة أريد اثباتها» (٨).
فالأولى : أن لا يظهر لها في العادة علة كقول المتنبي :
لم يحك نائلك السّحاب وإنّما |
حمّت به فصبيبها الرّحضاء |
أو تظهر لها علة كقول المتبي :
ما به قتل أعاديه ولكن |
يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب |
فانّ قتل الاعداء في العادة لدفع مضرتهم لا لما ذكره.
الثانية : اما ممكنة كقول مسلم بن الوليد :
يا واشيا حسنت فينا إساءته |
نجّى حذارك إنساني من الغرق |
__________________
(١) المصباح ص ١٢٣.
(٢) الطراز ج ٣ ص ١٥٩.
(٣) الفوائد ص ٢١٥.
(٤) اللسان (علل).
(٥) سر الفصاحة ص ٣٢٧.
(٦) أسرار البلاغة ص ٢٥٣.
(٧) نهاية الايجاز ص ١١٦.
(٨) حسن التّوسّل ص ٢٢٣ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٥.