الشين
شبه كمال الاتّصال :
شبه كمال الاتّصال من مسائل الفصل والوصل ، وهو أن تكون الجملة الثانية في الفصل بمنزلة المتصلة بالأولى لكونها جوابا عن سؤال اقتضته الأولى فتنزّل منزلته فتنفصل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال. قال السّكّاكي : «فتنزل ذلك منزلة الواقع ويطلب بهذا الثاني وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام السابق لذلك. وتنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار اليه إلا لجهات لطيفة ، إما لتنبيه السامع على موقعه أو لاغنائه أن يسأل ، أو لئلا يسمع منه شيء ، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه ، أو للقصد الى تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف أو غير ذلك مما ينخرط في هذا السلك. ويسمّى النوع الأول قطعا والثاني استئنافا» (١).
والاستئناف ثلاثة أضرب : لأنّ السؤال الذي تضمنته الجملة الاولى إما عن سبب الحكم فيها مطلقا كقول الشاعر :
قال لي : كيف أنت؟ قلت عليل |
سهر دائم وحزن طويل |
أي : ما بالك عليلا وما سبب علتك؟ وإما عن سبب خاص كقوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٢) كأنه قيل : هلى النفس أمّارة بالسوء؟ فقيل : إنّ النفس لأمارة بالسوء.
وإما عن غيرهما كقوله تعالى : (قالُوا : سَلاماً قالَ : سَلامٌ)(٣) كأنه قيل : فماذا قال ابراهيم عليهالسلام؟
فقيل : قال : سلام.
ومنه قول الشاعر :
زعم العواذل أنّني في غمرة |
كذبوا ، ولكن غمرتي ، لا تنجلي |
فانه لما أبدى الشكاية من جماعات العذّال كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل : أصدقوا في ذلك أم كذبوا؟
فأخرج الكلام مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له ، ففصل.
ومنه قول المتنبي :
وما عفت الرياح لهم محلّا |
عفاه من حدا بهم وساقا |
فإنّه لما نفى الفعل الموجود عن الرياح كان مظنة أن يسأل عن الفاعل.
وقد يحذف صدر الاستئناف لقيام قرينة كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ، رِجالٌ)(٤) فيمن قرأ (يُسَبِّحُ) مبنيا للمفعول.
وقد يحذف الاستئناف كله ويقام ما يدل عليه مقامه كقول الحماسي :
زعمتم أنّ أخوتكم قريش |
لهم إلف وليس لكم إلاف (٥) |
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ١٢١.
(٢) يوسف ٥٣.
(٣) هود ٦٩.
(٤) النور ٣٦ ـ ٣٧.
(٥) الالف والايلاف : العهد.