أو تأملته فكلّي عيون
نقل القصير الى الطويل :
قال ابن منقذ : «ومنه نقل اللفظ اليسير الى الكثير» (١) كقول مسلم بن الوليد :
أقبلن في رأد الضّحى زمرا |
يسترن وجه الشمس بالشّمس |
أخذه الآخر فطوّله وقال :
وإذا الغزالة في السّماء تعرّضت |
وبدا النّهار لوقته يترجّل |
|
أبدت لوجه الشمس شمسا مثله |
يلقى السماء بمثل ما يستقبل |
وقال أبي نواس :
لا تسدينّ اليّ عارفة |
حتى أقوم بشكر ما سلفا |
أخذه دعبل الخزاعي فقال :
تركتك لم أتركك من كفر نعمة |
وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر |
|
ولكنّني لمّا رأيتك راغبا |
وأسرفت في برّي عجزت عن الشكر |
النهي :
النهي خلاف الأمر ، نهاه نهيا فانتهى وتناهى : كفّ (٢) النهي طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء والالزام ، وهو أحد أقسام الانشاء الطلبي.
ويتفق مع الامر في أنّ كل واحد منهما لا بدّ فيه من اعتبار الاستعلاء ، وأنّهما يتعلقان بالغير فلا يمكن أن يكون الانسان آمرا لنفسه أو ناهيا لها ، وانهما لا بدّ من اعتبار حال فاعلهما في كونه مريدا لهما.
ويختلفان في أنّ كل واحد منهما مختص بصيغة تخالف الآخر ، وأنّ الامر دالّ على الطلب ، والنهي دال على المنع ، وأنّ الأمر لا بدّ فيه من إرادة مأموره ، وأنّ النهي لا بدّ فيه من كراهية منهيّه (٣).
وللنهي صيغة واحدة هي المضارع المقرون بـ «لا» الناهية الجازمة كقوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٤).
وقد تخرج هذه الصيغة الى معان مجازية كثيرة منها : الدعاء ويكون صادرا من الأدنى الى الأعلى كقوله تعالى على لسان من يريد الدعاء : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا ، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً)(٥). وقول كعب بن زهير :
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم |
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل |
والالتماس ، ويكون صادرا من أخ الى أخيه أو صديق الى صديق كقوله تعالى على لسان هارون يخاطب أخاه موسى : (قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي)(٦). وقول أبي العلاء :
لا تطويا السرّ عني يوم نائبة |
فإنّ ذلك ذنب غير مغتفر |
والتمني ويكون النهي موجها الى ما لا يعقل كقول الخنساء :
أعينيّ جودا ولا تجمدا |
ألا تبكيان لصخر الندى |
والنصح كقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ)(٧) ، وقول الشاعر :
لا تحلفنّ على صدق ولا كذب
__________________
(١) البديع في نقد الشعر ص ١٨٥ ، وينظر المنصف ص ٢٧.
(٢) اللسان (نهى).
(٣) الطراز ج ٣ ص ٢٨٥.
(٤) الحجرات ١٢.
(٥) البقرة ٢٨٦.
(٦) طه ٩٤.
(٧) البقرة ٢٨٢.