كلاما بما ليس يناسبه أو يقدّم التشبيه على ذكر المشبّه. ومنه في القرآن كثير ، وكذلك في أشعار العرب» (١). ومنه قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى)(٢) قرنها بقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ)(٣) واتبعها بقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً)(٤) فليس قبلها وبعدها ما يناسبها. ومنه قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى. وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(٥) الذي يقتضيه المعنى المناسب ظاهرا أن يقول : إنّ لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ وأنّك لا تعرى فيها ولا تضحى.
وأدخل ابن قيم الجوزية في هذا النوع ما سمّاه ابن منقذ «فسادا» (٦) وذكر أمثلته وقد تقدم.
المبادي والمطالع :
وهذا النوع هو ما سمي «حسن الابتداء» أو «حسن الافتتاح» ، وكان البلاغيون والنقاد قد اوصوا أن تكون الابتداءات حسنة دالة على ما يؤتى به ومرتبطة به ، وقد تقدم ذلك.
وقد سمّاها «المبادي» العسكري وابن منقذ والقرطاجني (٧) ، وسماها العلوي «المبادي والافتتاحات» (٨).
المبالغة :
بالغ فلان في أمري : اذا لم يقصر فيه (٩).
وقد تحدّث ابن المعتز في بديعه عن «الإفراط في الصفة» وهو أحد محاسن الكلام والشعر (١٠) ، وكان ابن قتيبة قد تحدث قبله عن المبالغة في الاستعارة وقال بعد قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ)(١١) «تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن رفيع المكان عامّ النفع كثير الصنائع : أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده وبكته الريح والبرق والسماء والارض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به وأنّها قد شملت وعمت وليس ذاك بكذب لأنّهم جميعا متواطئون عليه والسامع له يعرف مذهب القائل فيه ، وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظموه ويستقصوا صنعته ونيتهم في قولهم : أظلمت الشمس أي : كادت تظلم ، وكسف القمر أي : كاد يكسف ، ومعنى «كاد» همّ أن يفعل ولم يفعل» (١٢). وقال : «وكان بعض أهل اللغة يأخذ على الشعراء أشياء من هذا الفن وينسبها الى الإفراط وتجاوز المقدار وما ارى ذلك إلّا جائزا حسنا» (١٣). وقال بعد أن ذكر أمثلة : «وهذا كله المبالغة في الوصف وينوون في جميعه : «يكاد يفعل» وكلهم يعلم المراد به» (١٤).
وأدخل قدامة هذا النوع في نعوت المعاني وقال : «هي أن يذكر الشاعر حالا من الاحوال في شعر لو وقف عليها لأجزأه ذلك الغرض الذي قصده فلا يقف حتى يزيد في معنى ما ذكره من تلك الحال ما يكون أبلغ فيما قصد له» (١٥). وقد ذكر المصري والحموي (١٦) أنّ قدامة هو الذي سمّاها «المبالغة» وسار النقاد والبلاغيون على تسميته لأنّها أخف
__________________
(١) الفوائد ص ١٧٥.
(٢) البقرة ٢٣٨.
(٣) البقرة ٢٣٧.
(٤) البقرة ٢٤٠.
(٥) طه ١١٨ ـ ١١٩.
(٦) البديع في نقد الشعر ص ١٤٧.
(٧) كتاب الصناعتين ص ٤٣١ ، البديع في نقد الشعر ص ٢٨٥ ، منهاج البلغاء ص ٢٠٩.
(٨) الطراز ج ٢ ص ٢٦٦.
(٩) اللسان (بلغ).
(١٠) البديع ص ٦٥.
(١١) الدخان ٢٩.
(١٢) تأويل مشكل القرآن ص ١٢٧.
(١٣) تأويل مشكل القرآن ص ١٣١.
(١٤) تأويل مشكل القرآن ص ١٣٦.
(١٥) نقد الشعر ص ١٦٠ ، جواهر الالفاظ ص ٦.
(١٦) تحرير التحبير ص ١٤٧ ، خزانة الادب ص ٢٢٥.