فضل احتياج إلى التّعرّض لأنواع دلالات الكلم» (١) وشرح ذلك الاحتياج وتحدّث عن أنواع الدلالات.
وأخرج التشبية من علم البيان لأنّ دلالته وضعية.
وتبعه في ذلك ابن مالك والقزويني وشرّاح التلخيص والعلوي (٢) واتخذوا الدلالات منهجا في دراسة فنون البيان.
والدلالات التي تحدّث عنها القدماء هي : دلالة الإشارة ، ودلالة الالتزام ، ودلالة التّضمّن ، ودلالة الخطّ ، ودلالة العقد ، والدلالة العقلية ، ودلالة اللفظ ، ودلالة المطابقة ، ودلالة النّصبة ، والدّلالة الوضعية.
دلالة الإشارة :
هي من دلالات المعاني الخمس التي ذكرها الجاحظ وقال إنّها باليد وبالرأس وبالعين والحاجب والمنكب اذا تباعد الشخصان وبالثوب وبالسيف ، وقد يتهدّد رافع السيف والسوط فيكون ذلك زاجرا ومانعا رادعا ويكون وعيدا وتحذيرا. والإشارة واللفظ شريكان ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه ، وما أكثر ما تنوب عن اللفظ وما تغني عن الخط (٣).
وقد قال الشاعر في دلالات الإشارة.
أشارت بطرف العين خيفة أهلها |
إشارة مذعور ولم تتكلّم |
|
فأيقنت أنّ الطّرف قد قال مرحبا |
وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم |
وقال الآخر :
وللقلب على القلب |
دليل حين يلقاه |
|
وفي الناس من النا |
س مقاييس وأشباه |
|
وفي العين غنى للمر |
ء أن تنطق أفواه |
وقال ابن الزملكاني : «ومن الإشارة قوله تعالى : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ)(٤) ، ومنه ، (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ، قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً)(٥)
دلالة الالتزام :
أجمع البلاغيون على أنّ الدّلالة الوضعية لا يقع فيها تفاوت لأنّ «معرفتها التوقيف» (٦) ، وإنّما يقع التفاوت في الدلالة الالتزامية أو دلالة الالتزام. وقال ابن الزملكاني. «اللفظ إمّا يعتبر بالنسبة الى تمام مسماه وهو المطابقة أو الى جزئه من حيث هو كذلك وهو الالتزام» (٧) والأولى وضعية والأخريان عقليتان ، لأنّ اللفظ إذا وضع للمسمى انتقل الذهن من المسمى الى اللازم (٨) ، ومثال دلالة الالتزام دلالة لفظ الإنسان والفرس على كونها متحرّكة وشاغلة الجهة وغير ذلك من الأمور اللازمة.
دلالة التّضمّن :
هي اعتبار اللفظ الى جزئه من حيث هو كذلك ، وذلك نحو دلالة الفرس والانسان والأسد على معانيها التي هي متضمنة لها كالحيوانية والإنسانية ، فإنّ هذه المعاني كلّها تدلّ عليها هذه الألفاظ عند الإطلاق
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ١٥٦.
(٢) المصباح ص ٥٠ ، الايضاح ص ٢١٢ ، التلخيص ص ٢٣٦ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٥٦ ، المطول ص ١ ـ ٣ الاطول ج ٢ ص ٥٢ ، الطراز ج ١ ص ٣٤.
(٣) البيان ج ١ ص ٧٨.
(٤) مريم ٢٩.
(٥) آل عمران ٤١. البرهان الكاشف ص ٨٣.
(٦) نهاية الايجاز ص ١٤.
(٧) البرهان الكاشف ص ٩٨.
(٨) مفتاح العلوم ص ١٥٦ ، الايضاح ص ٢١٢ ، التلخيص ص ٢٣٧ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢٦٦ ، المطول ص ٣٠٣ ، الأطول ج ٢ ص ٥٤ ، الطراز ج ١ ص ٣٨ ، المنزع البديع ص ٢١٣.