الحروف العاطفة والجارّة :
أدخل ابن الأثير هذا الموضوع في الصناعة المعنوية وقال : «إنّ أكثر الناس يضعون هذه الحروف في غير مواضعها فيجعلون ما ينبغي أن يجرّ بـ «على» بـ «في» في حروف الجر ، وفي هذه الأشياء دقائق أذكرها لك» (١).
أمّا حروف العطف فنحو قوله تعالى : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ)(٢) ، فالاول عطفه بالواو التي هي للجمع وتقديم الإطعام على الإسقاء والإسقاء على الإطعام جائز لو لا مراعاة حسن النظم ، ثم عطف الثاني بالفاء لأنّ الشفاء يعقب المرض بلا زمان حال من أحدهما ثم عطف الثالث بـ «ثم» لأنّ الإحياء يكون بعد الموت بزمان ولهذا جيء في عطفه بـ «ثم» التي هي للتراخي. ولو غيّر نسق الكلمات لصحّ المعنى إلا أنّه لا يكون كمعنى الآية إذ كل شيء منها قد عطف بما يناسبه ويقع موقع السداد منه.
وأمّا حروف الجر فانّ الصواب يشدّ عن وضعها في مواضعها ، ومما ورد منه قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣) ، قال ابن الاثير : ألا ترى الى بداعة هذا المعنى المقصود لمخالفة حرفي الجر ههنا ، فانّه إنما خولف بينهما في الدخول على الحق والباطل لأنّ صاحب الحق كأنه مستعل على فرس جواد يركض به حيث شاء. وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض فيه لا يدري أين يتوجه. وهذا معنى دقيق قلّما يراعى مثله في الكلام ، وكثيرا ما سمعت اذا كان الرجل يلوم أخاه أو يعاتب صديقه على أمر من الامور فيقول له : أنت على ضلالك القديم كما أعهدك فيأتي بـ «على» في موضع «في» وإن كان هذا جائزا إلا أنّ استعمال «في» ههنا أولى لما أشرنا اليه» (٤).
حسن الابتداء :
هو الابتداء ، وقد تقدم. وهذه تسمية ابن المعتز فقد ذكر في محاسن الكلام «حسن الابتداءات» (٥) وقال إنّه كقول النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب |
وليل أقاسيه بطيء الكواكب |
حسن الإتّباع :
وهذا النوع من الأخذ أو السرقات الجيدة ، قال المصري : «هو أن يأتي المتكلّم الى معنى اخترعه غيره فيحسن اتباعه فيه بحيث يستحق بوجه من وجوه الزيادات التي وجب للمتأخر استحقاق معنى المتقدّم إمّا باختصار لفظه أو قصر وزنه أو عذوبة قافيته وتمكنها أو تتميم لنقصه أو تكميل لتمامه أو تحليته بحلية من البديع يحسن بمثلها النظم ويوجب الاستحقاق» (٦).
ونقل الحلبي والنّويري والحموي والمدني كلام المصري (٧) ، ولم يبعد ابن الأثير الحلبي عنه كثيرا (٨).
ومن ذلك قول عنترة :
إني امرؤ من خير عبس منصبا |
شطري وأحمي سائري بالمنصل |
وقد أحسن منصور الفقيه اتباعه فقال :
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٥٠ ، الجامع الكبير ص ٢٠١.
(٢) الشعراء ٧٩ ـ ٨١.
(٣) سبأ ٢٤.
(٤) المثل السائر ج ٢ ص ٥٣ ، الجامع الكبير ص ٢٠٣.
(٥) البديع ص ٧٥.
(٦) تحرير التحبير ص ٤٧٥ ، بديع القرآن ص ٢٠١.
(٧) حسن التوسل ص ٢٩٨ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٦٥ ، خزانة الادب ص ٤٠٩ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٥ ، نفحات ص ٢٢٢ ، شرح الكافية ص ٢٢١.
(٨) جوهر الكنز ص ١٦٠.