ورصف الكلام رديّا لم يوجد له قبول ولم تظهر عليه طلاوة. واذا كان المعنى وسطا ورصف الكلام جيدا كان أحسن موقعا وأطيب مستمعا فهو بمنزلة العقد اذا جعل كل خرزة منه الى ما يليق بها كان رائعا في المرأى وإن لم يكن مرتفعا جليلا ، وإن اختلّ نظمه فضّمت الحبة منه إلى ما لا يليق بها اقتحمته العين وإن كان فائقا ثمينا» (١).
وقال ابن الأثير : «حسن التأليف أن توضع الألفاظ في مواضعها وتجعل في أماكنها» (٢) ، ومعظم كلام البلغاء متصف بذلك.
وخلاف ذلك وهو سوء التأليف قول أبي تمام :
يا دهر قوّم من أخدعيك فقد |
أضججت هذا الأنام من خرقك |
وقول الفرزدق :
وما مثله في الناس إلا مملّكا |
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (٣) |
وقال الآمدي : «وحسن التأليف وبراعة اللفظ يزيد المعنى المكشوف بهاء وحسنا ورونقا حتى كأنّه أحدث فيه غرابة لم تكن وزيادة لم تعهد» (٤).
حسن التّخلّص :
هو التخلص أو براعة التخلص (٥) ، وقد تقدما.
حسن التّرتيب :
هو التمزيج أو حسن الارتباط أو حسن النّسق (٦) ، وقد تقدّم الكلام عليه في التمزيج.
حسن التّشبيه :
قال سيبويه : «تقول مررت برجل أسد أبوه» إذا كنت تريد أن تجعله شديدا ، و «مررت برجل مثل الأسد أبوه» إذا كنت تشبهه» (٧). أي أنّه فرّق بين اسلوبين ، فالاول فيه خفاء التشبيه وهو يدلّ على حسنه أي أنّه أروع من الثاني الذي جاء تشبيها عاما.
وحسن التشبيه النوع الحادي عشر من محاسن الكلام عند ابن المعتز (٨) ، ولكنه لم يعرّفه واكتفى ببعض الأمثلة من غير ايضاح ، من ذلك قول امرئ القيس :
كأنّ قلوب الطير رطبا ويابسا |
لدى وكرها العنّاب والحشف البالي |
وقول عنترة :
جادت عليه كلّ بكر حرّة |
فتركن كلّ قرارة كالدرهم |
وقول بشّار :
كأنّ فؤاده كرة تنزّى |
حذار البين لو نفع الحذار |
وقول أبي نواس :
لما تبدّى الصّبح من حجابه |
كطلعة الأشمط من جلبابه |
وقول البحتري :
تخفي الزجاجة نورها فكأنّها |
في الكفّ قائمة بغير إناء |
وقول العلوي الأصفهاني :
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ١٦١.
(٢) الجامع الكبير ص ٦٥.
(٣) ينظر منهاج البلغاء ص ٢٢٢.
(٤) الموازنة ج ١ ص ٤٠٢.
(٥) الوساطة ص ٤٨ ، المصباح ص ١٢٥ ، الايضاح ص ٤٣٢ ، التلخيص ص ٤٣٢ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٥٣٥ ، المطول ص ٤٧٩ ، الأطول ج ٢ ص ٢٥٧ ، جوهر الكنز ص ١٥٧ ، الطراز ج ٢ ص ٣٣٠ ، خزانة الادب ص ١٤٩ ، شرح عقود الجمان ص ١٧٣ ، أنوار الربيع ج ٣ ص ٢٤٠ ، نفحات ص ١٢٣ ، التبيان في البيان ص ٣٨٢.
(٦) جوهر الكنز ص ١٥٤.
(٧) الكتاب ج ٢ ص ٢٩.
(٨) البديع ص ٦٨.