الاشارة (١).
التّفريط :
أفرط عليه في القول يفرط : أسرف وتقدّم. وفرط في الأمر يفرط فرطا أي قصّر فيه وضيّعه حتى فات ، وكذلك التفريط وهو التقصير والتضييع (٢).
قال ابن منقذ : «هو أن يقدم الشاعر على شيء فيأتي بدونه فيكون تفريطا منه إذ لم يكمل اللفظ أو يبالغ في المعنى» (٣) ، كقول حسّان بن ثابت :
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى |
وأسيافنا من شدّة تقطر الدما |
فرّط في قوله : «الجفنات» لأنّها دون العشرة وهو يقدر أن يقول : «لدينا الجفان» لأنّ العدد الأقل لا يفتخر به.
وقال ابن الأثير : «واما التفريط فهو التقصير والتضييع ، ولهذا قال الله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(٤) أي : ما أهملنا ولا ضيّعنا. وأما الإفراط فهو الإسراف وتجاوز الحدّ ، يقال : أفرط في الشيء ، إذا أسرف وتجاوز الحدّ. والتفريط والإفراط هما الطرفان البعيدان ، والاقتصاد هو الوسط المعتدل ، وقد نقلت هذه المعاني الثلاثة إلى هذا النوع من علم البيان. أمّا الاقتصاد فهو : أن يكون المعنى المضمر في العبارة على حسب ما يقتضيه المعبّر عنه في منزلته. أمّا التفريط والإفراط فهما ضدّان : أحدهما أن يكون المعنى المضمر في العبارة دون ما تقتضيه منزلة المعبّر عنه ، والآخر أن يكون المعنى فوق منزلته.
والتفريط في المعاني الخطابية قبيح لا يجوز استعماله بوجه من الوجوه ، والإفراط يجوز استعماله ، فمنه الحسن ومنه دون ذلك. فممّا جاء من التفريط قول الأعشى :
وما مزبد من خليج الفرا |
ت جون غواربه تلتطم (٥) |
|
بأجود منه بما عونه |
إذا ما سماؤهم لم تغم |
فانه مدح ملكا بالجود بماعونه ، والماعون : كلّ ما يستعار من قدوم أو قصعة أو قدر أو ما أشبه ذلك ، وليس للملوك في بذله مدح ولا لأوساط الناس أيضا ، وفي مدح السوقة به قولان ، ومدح الملوك به عيب وذمّ فاحش ، وهذا من أقبح التفريط» (٦).
وقال التّنّوخي : «والتفريط أن يكون اللفظ قاصرا عمّا تضمنه من المعنى» (٧).
وقال ابن الأثير الحلبي : «وأمّا التفريط والإفراط فهو أن يكون المعنى المضمّن في العبارة بخلاف ما تقتضيه البلاغة إمّا أن يكون انحطاطا دونها فهو تفريط وإمّا ما تجاوز عنها فهو الإفراط. ولهذا قال عليهالسلام : «الجاهل إمّا مفرط أو مفرّط» يعني إما مقصّر فيما يجب عليه أو متجاوز الحدّ فيما أمر به» (٨).
وعرّفه العلوي بمثل هذا التعريف ، أي أنّ التفريط هو التقصير والتضييع (٩) ، وعدّ الاقتصاد والتفريط والإفراط فصلا واحدا سماه «الامتحان». ونقل ابن الجوزيّة كلام ابن الأثير وبعض أمثلته (١٠).
لقد تحدّث البلاغيّون عن التفريط وأوضحوا معناه ، والغريب أنّ السّيوطي قال : «ونبّهت من زيادتي أيضا على نوع يسمّى التفريط ذكره عبد الباقي اليمني في كتابه ولم أره لغيره قال : «وهو ضد المبالغة ، أن يؤتي بالوصف ناقصا عمّا يقتضيه حال
__________________
(١) المنزع البديع ص ٢٦٧.
(٢) اللسان (فرط).
(٣) البديع في نقد الشعر ص ١٤٦.
(٤) الانعام ٣٨.
(٥) المزبد : الموج. الجون : الأسود. الغوارب جمع غارب ، وغارب كل شيء : أعلاه.
(٦) المثل السائر ج ٢ ص ٣١٦ ، الجامع الكبير ص ٢٢٦.
(٧) الأقصى القريب ص ١٠٠.
(٨) جوهر الكنز ص ١٣٩.
(٩) الطراز ج ٢ ص ٣٠٨.
(١٠) الفوائد ص ٢٠٨.