أشهر من الايداع في هذا المعنى ـ لا وجه له» (١).
وذكر تنبيهات منها : أنّ أحسن التضمين ما صرف عن معنى غرض الشاعر الأول وما زاد على الأصل بنكتة كالتورية ونحو ذلك ، ومثاله قول المصري المتقدم في بيت المتنبي.
وانه يجوز في التضمين أن يجعل صدر البيت عجزا وبالعكس كقول الحريري :
على أنّي سأنشد عند بيعي |
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا |
المصراع الثاني صدر بيت للعرجي وعجزه : «ليوم كريهة وسداد ثغر». وانّه لا يضره التغيير اليسير لما قصد تضمينه ليدخل في معنى الكلام كقول بعضهم في يهودي به داء الثعلب :
أقول لمعشر غلطوا وغضوا |
من الشيخ الرشيد وأنكروه |
|
هو ابن جلا وطلاع الثنايا |
متى يضع العمامة تعرفوه |
والبيت لسحيم بن وثيلة وهو :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا |
متى أضع العمامة تعرفوني |
فغيّره الى طريق الغيبة ليدخل في المقصود.
الإيضاح :
وضح الشيء يضح وضوحا وضحة وضحة واتضح أي : بان وهو واضح ووضّاح. وأوضح وتوضّح : ظهر (٢).
والايضاح من مبتدعات المصري وقد قال في تعريفه : «هو أن يذكر المتكلم كلاما في ظاهره لبس ثم يوضحه في بقية كلامه» (٣). وفرّق بينه وبين التفسير بقوله : «إنّ التفسير تفصيل الاجمال ، والايضاح رفع الاشكال» (٤).
ومن الايضاح قوله تعالى : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٥). فان هذه الآية لو اقتصر على قوله :(مِنْ قَبْلُ) دون بقية الآية لأشكل على المخاطب ، فلا يدري هل أراد سبحانه بما حكاه أهل الجنة اشارتهم الى صنف الثمرة أو مقدار ما يؤتون منها بحيث تكون مقادير الثمار متساوية ، فأوضح سبحانه هذا الاشكال بقوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) أي : يشبه بعضه بعضا في الكمية وان تغايرت أصنافه.
ومنه قول الشاعر :
يذكرنيك الخير والشرّ كلّه |
وقيل الخنا والعلم والحلم والجهل |
فان هذا الشاعر لو اقتصر على هذا البيت لأشكل مراده على السامع لجمعه بين ألفاظ المدح والهجاء ، فلما قال بعده :
فألقاك عن مكروهها متنزها |
وألقاك في محبوبها ولك الفضل |
أوضح المعنى المراد ورفع اللبس وأوضح الشك.
وقد يكون الايضاح في الوصف الذي لا يتعلق به مدح ولا هجاء وذلك أن يخبر المتكلم بخبر واحد عن شيء واحد يقع التعجب منه ويشكل الأمر فيه ثم يوضح ذلك الأشكال بأن يخبر عنه بما يفهم منه كشف اللبس عن الجزء الأول ، كقول ابن حيوس الدمشقي :
ومقرطق يغني النديم بوجهه |
عن كأسه الملأى وعن إبريقه (٦) |
__________________
(١) أنوار الربيع ج ٦ ص ٧٤.
(٢) اللسان (وضح).
(٣) تحرير التحبير ص ٥٥٩ ، بديع القرآن ص ٢٥٩.
(٤) تحرير التحبير ص ٥٦٠.
(٥) البقرة ٢٥.
(٦) المقرطق ؛ لابس القرطق ، وهو قباء.