قال المصري : «ومن هذا الباب قسم يقع في التشبيه والاخبار ، وهو أن يكون للمشبه أو المخبر عنه صفات فيعمد المتكلم الى نفي بعضها نفيا يلزم منه اثبات ما في تلك الصفات له ، كقول رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لعلي ـ عليهالسلام ـ «اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنّه لا نبيّ بعدي» فسلبه النبوة مستثنيا لها من جميع ما كان لها من موسى ـ عليهماالسلام ـ ومن القسم الأول من هذا الباب جميع معجزات الرسل ـ صلوات الله عليهم وسلامه ـ هي ، فان صورة المعجزة تنسب للنبي الذي جاءت على يده وتعدّ من فعله مجازا ، وهو في الحقيقة فعل الله تعالى ، ومن ذلك في الكتاب العزيز قوله تعالى : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(١) ، فاثبت الرمي للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ إذ جاءت صورته على يده ونفى معناه عنه إذ كان لا يتأتى مثل ذلك الرمي إلا من الله سبحانه ، فان كل حصاة أصابت عين كل انسان من القوم ، وهذا لا يكون إلّا من فعل الله تعالى» (٢).
وذكر المصري أنّ هذا الفن من مبتدعاته وسماه في «تحرير التحبير» : باب السلب والإيجاب وعرفه مثل تعريف الأول فقال : «هو ان يقصد المادح أن يفرد ممدوحه بصفة مدح لا يشركه فيها غيره فينفيها في أول كلامه عن جميع الناس ويثبتها لممدوحه بعد ذلك» (٣). وذكر الأمثلة السابقة وأكملها بقول الشاعر :
فصرت كأني يوسف بين إخوتي |
ولكن تعدّتني النبوّة والحسن |
فسلب نفسه هاتين الصفتين من صفات يوسف ـ عليهالسلام ـ ليثبت ما عداهما مما امتحن به يوسف من اخوته ، وهذا البيت وإن كان من شواهد الاستدراك فهو مما يليق أن يستشهد به ههنا.
ومن ذلك قول ابن الرومي :
كأنّا مع الجدران في جنباته |
دمى في انقطاع الرزق لا في المحاسن |
لما كانت الدمى موصوفة بهاتين الصفتين وكانت احداهما لائقة بالمعنى الذي قصده أثبتها ونفى ما عداها من الصفة التي لا تليق بغرضه.
ولكنّ هذين الفنين فن واحد وقد استدرك المصري على نفسه في الحاشية فقال : «قد عثرت على أنّ هذا الباب لمن تقدمني من جهة تسميته لا من جهة شواهده فسميته «اثبات الشيء للشيء بنفيه عن غير ذلك الشيء وتنزل باب السلب والايجاب بعد باب الاستثناء في أبواب من تقدمني». ولكنّ الأمثلة التي ذكرها للفنين واحدة ، وبذلك لم يكن هذا الفن من مبتدعاته أو مختلفا عن السلب والايجاب.
الإجازة :
الاجازة مشتقة المعنى من الاجازة في السقي ، يقال : أجاز فلان فلانا إذا سقى له أو سقاه. ويقال للذي يرد على أهل الماء فيستقي : مستجيز ، قال القطامي :
وقالوا فقيم قيّم الماء فاستجز |
عبادة إنّ المستجيز على قتر (٤) |
ويجوز أن يكون من «أجزت عن فلان الكأس» إذا تركته وسقيت غيره ، فجازت عنه دون أن يشربها.
والاجازة في الشعر أن تتم مصراع غيرك ، وقيل :الاجازة في الشعر أن يكون الحرف الذي يلي حرف الروي مضموما ثم يكسر أو يفتح ويكون حرف الرويّ
__________________
(١) الانفال ١٧.
(٢) بديع القرآن ص ٣٠٤ ، وينظر تحرير التحبير ص ٥٩٤.
(٣) تحرير التحبير ص ٥٩٣.
(٤) استجز ؛ اطلب ان تسقى ابلك. على قتر ؛ على خوف ، ويقال على خطر وحذر من أن لا يسقى.