هذا لا يصلح (١).
أي أنّ اللحن في قول مالك بن أسماء هو التعريض عن فطنة ، والى ذلك ذهب ابن وهب حين قال : «وأمّا اللحن فهو التعريض بالشيء من غير تصريح أو الكناية عنه بغيره» (٢). والعرب تفعل ذلك لوجوه وتستعمله في أوقات ومواطن فمن ذلك ما استعملوه للتعظيم أو للتخفيف أو للاستحياء أو للبقيا أو للانصاف أو للاحتراس. فأمّا ما يستعمل من التعريض للاعظام فهو أن يريد مريد تعريف ما فوقه قبيحا إن فعله فيعرض له بذلك من فعل غيره ويقبح له ما ظهر منه فيكون قد قبحّ له ما أتاه من غير أن يواجهه به ، وفي ذلك يقول الشاعر :
ألا ربّ من أطنبت في ذمّ غيره |
لديه على فعل أتاه على عمد |
|
ليعلم عند الفكر في ذاك أنّما |
نصيحته فيما خطبت به قصدي |
وأما التعريض للتخفيف فهو أنّ يكون لك الى رجل حاجة فتجيئه مسلما ولا تذكر حاجتك فيكون ذلك اقتضاء له وتعريضا بمرادك منه ، وفي ذلك يقول الشاعر :
أروح بتسليم عليك وأغتدي |
وحسبك بالتسليم مني تقاضيا |
وأمّا التعريض للاستحياء فالكناية عن الحاجة بالنجو والعذرة.
وأما التعريض للبقيا فمثل تعريض الله ـ عزوجل ـ بأوصاف المنافقين وإمساكه عن تسميتهم إبقاء عليهم وتألفا لهم. ومثل تعريض الشعراء بالديار والمياه والجبال والاشجار بقيا على ألّا فهم وصيانة لأسرارهم وكتمانا لذكرهم.
وأما التعريض للانصاف فكقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣) وأما التعريض للاحتراس فهو ترك مواجهة السفهاء والانذال بما يكرهون وإن كانوا لذلك مستحقين خوفا من بوادرهم وتسرعهم وإدخال ذلك عليهم بالتعريض والكلام اللين.
وأدخل ابن رشيق اللحن في باب الإشارة وقال : «ومن الإشارات اللحن وهو كلام يعرفه المخاطب بفحواه وإن كان على غير وجهه» (٤). وقال : «ويسميه الناس في وقتنا هذا «المحاجاة لدلالة الحجا عليه» وذلك نحو قول الشاعر يحذر قومه :
خلّوا على الناقة الحمراء أرحلكم |
والبازل الأصهب المعقول فاصطنعوا |
|
إنّ الذئاب قد اخضّرت براثنها |
والناس كلّهم بكر اذا شبعوا |
أراد بالناقة الحمراء : الدهناء ، وبالجمل الأصهب : الصمان ، وبالذئاب : الأعداء. فيقول : «قد اخضرت أقدامهم من المشي في الكلأ والخصب والناس كلهم اذا شبعوا طلبوا الغزو فصاروا عدوا لكم كما أنّ بكر بن وائل عدوكم» (٥) وفعل مثله السجلماسي الذي عدّ اللحن من التعمية وهو من جنس الإشارة (٦).
لزوم ما لا يلزم :
هو الإعنات أو الالتزام أو التضييق أو التشديد ، وقد سمّاه كذلك معظم البلاغيين» (٧) ، وسمّاه المدني
__________________
(١) تأريخ بغداد ج ١٢ ص ٢١٤ ، معجم الادباء ج ٦ ص ٦٥.
(٢) البرهان في وجوه البيان ص ١٣٣.
(٣) سبأ ٢٤.
(٤) العمدة ج ١ ص ٣٠٧.
(٥) العمدة ج ١ ص ٣٠٨.
(٦) المنزع البديع ص ٢٦٨ ، وينظر الأغاني ج ١٧ ص ٣٢٦ ، أمالي المرتضى ج ١ ص ١٥ ، شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ج ١ ص ١١٤.
(٧) الوافي ص ٢٩٥ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦ ، المثل السائر ج ١ ص ٢٦٧ ، الجامع الكبير ص ٢٦٦ ، التبيان ص ١٧٢ ، ـ ـ الاقصى القريب ص ١١٦ ، الايضاح ص ٣٩٩ ، التلخيص ص ٤٠٦ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٦٣ ، المطول ص ٤٥٨ ، الاطول ج ٢ ص ٢٣٧ ، الطراز ج ٢ ص ٣٩٧ ، الفوائد ص ٢٣٤ ، معترك ج ١ ص ٥١ ، الاتقان ج ٢ ص ١٠٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، نفحات ص ٣١٦.