وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)(١) يحتمل أن يكون أراد بـ (وَراءَهُمْ :) أمامهم ، ويحتمل أن يكون (وَراءَهُمْ :) وهو يطلبهم. وينخرط في هذا السلك قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(٢) اذا جعل هذا من باب التّهكّم به والإزدراء عليه كان ذما. ومنه قوله ـ صلىاللهعليهوسلم : «من جعل قاضيا ذبح بغير سكّين» فان أريد به الذم يكون التقدير : من جعل قاضيا فقد قتل بغير سكين لأنّه ليس في قدرته إقامة الحق على وجهه وإجراء الأحكام على القانون المستقيم فيكون قد كلّف ما لا طاقة له به ومن كلّف ما لا طاقة له به فهو في ألم شديد يشبه ألم من ذبح بغير سكّين ومن أراد المدح قال : إنّه لشدة تحرّزه في أحكامه واجتهاده في نقضه وإبرامه وإنعامه النظر فيما يحدث من الوقائع ويتجدّد من خفايا الأحكام والنظر في أمر الوصايا ومال الأيتام الى غير ذلك من الأمور المشقّة يحصل له من الألم مقدار ألم من ذبح بغير سكّين بل أشدّ ، لأنّ من ذبح بغير سكين يقاسي الألم في حال ذبحه ثم يستريح ، والحاكم بهذه الأمور مستمرّ التعب دائم النكد مشتغل القلب منقسم الفكر دائم النظر.
المخالف :
الخلاف المضادّة ، وقد خالفه مخالفة وخلافا (٣).
قال ابن سنان وهو يتحدّث عن المطابق : «وسمّى أصحاب صناعة الشعر ما كان قريبا من التضادّ المخالف. وقسّم بعضهم التضادّ فسمّى ما كان فيهما لفظتان معناهما ضدان كالسواد والبياض المطابق ، وسمّى تقابل المعاني والتوفيق بين بعضها وبعض حتى تأتي في الموافق بما يوافق وفي المخالف بما يخالف على الصحة المقابلة» (٤). ثم قال : «فأمّا المخالف وهو الذي يقرب من التضاد» (٥) فكقول ابي تمام :
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى |
لها الليل إلا وهي من سندس خضر |
فان «الحمر» و «الخضر» من المخالف ، وبعض الناس يجعل هذا من المطابق. وكذلك قول عمرو بن كلثوم :
بأنّا نورد الرايات بيضا |
ونصدرهنّ حمرا قد روينا |
وقول البحتري :
وإلا لقيت الموت أحمر دونه |
كما كان يلقى الدهر أغبر دوني |
ومن قبيح المخالف قول أبي تمام :
مكرهم عنده فصيح وإن هم |
خاطبوا مكره رأوه جليبا |
لأنّه لما اراد أن يخالف بين «فصيح» و «جليب» وهو الذي قد جلب في السبي فلم يفصح بالكلام جعل «المكر» جليبا وذلك من «الاستعارات المستحيلة والأغراض الفاسدة» (٦).
المخالفة :
قال ابن منقذ : «المخالفة هي الخروج عن مذهب الشعراء وترك الاقتفاء لآثارهم» (٧). كقول نصيب :
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا |
وقت الزيارة فارجعي بسلام |
وليس المعهود ردّ المحبوب على عقبه إذا أراد زيارة محبّه.
ومن ذلك قول كثيّر :
ألا ليتنا يا عزّ من غير ريبة |
بعيران نرعى في الخلاء ونعزب |
__________________
(١) الكهف ٧٩.
(٢) هود ٨٧.
(٣) اللسان (خلف).
(٤) سر الفصاحة ص ٢٣٤.
(٥) سر الفصاحة ص ٢٣٩.
(٦) سر الفصاحة ص ٢٤٠.
(٧) البديع في نقد الشعر ص ١٦٥.