رجل ، يا ليث ، يا غمامة ، يا بحر ، يا حمام ، لأنّ هذا مقام مدح فيجب أن يرقى فيه من منزلة الى منزلة حتى ينتهي الى المنزلة العليا ، ولو كان مقام ذم لعكس القضية (١).
ولكن للأديب الحرية في التعبير كما يتصور المعنى أو كما يريد أن يصوره.
الاستغراب :
أغرب الرجل : جاء بشيء غريب ، واستغرب في الضحك واستغرب أكثر منه (٢) والاستغراب التعجب أو المجيء بالشيء الغريب أو المبالغة فيه.
قال قدامة : «قد يضع الناس في باب أوصاف المعاني الاستغراب والطرفة ، وهو أن يكون المعنى مما لم يسبق اليه. وليس عندي أنّ هذا داخل في الأوصاف لأنّ المعنى المستجاد إنّما يكون مستجادا إذا كان في ذاته جيدا فاما أن يقال له : جيد ، إذا قاله شاعر من غير أن يكون تقدمه من قال مثله فهذا غير مستقيم ، بلى يقال لما جرى هذا المجرى : طريف وغريب إذا كان فردا قليلا فاذا كثر لم يسمّ بذلك ، وغريب وطريف هما شيء آخر غير حسن أو جيد لأنّه قد يجوز أن يكون حسن جيد غير طريف ولا غريب ، وطريف غريب غير حسن ولا جيد» (٣).
وسمّاه الآخرون إغرابا ونقل ابن منقذ خلاصة كلام قدامة وقال : «هو أن يكون المعنى مما لم يسبق اليه على جهة الاستحسان فيقال : طريف وغريب إذا كان فردا قليلا فاذا كثر لم يسمّ بذلك» (٤).
وقرن القرطاجني الشعر الجيد بالاغراب فقال : «الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبّب الى النفس ما قصد تحبيبه اليها ويكره اليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه بما يتضمن من حسن تخييل له ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيأة تأليف الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أم بمجموع ذلك. وكل ذلك يتأكد بما يقترن به من إغراب فانّ الاستغراب والتعجب حركة للنفس إذا اقترنت بحركتها الخيالية قوي انفعالها وتأثرها» (٥).
ولم يختر معظم البلاغيين تسمية قدامة وإنّما سمّوه «النوادر» ومنهم المصري الذي قال : «وهو الذي سماه قدامة قديما الاغراب والطرفة وسماه من بعده التطريف وسماه قوم النوادر ، وقوم أبقوا عليه تسمية قدامة» (٦).
ثم قال : «وهو أن يأتي الشاعر بمعنى غريب لقلته في كلام الناس ، وليس من شرطه على رأي قدامة أن يكون لم يسمع مثله ، وإنّما شرطه أن يكون قليلا نادرا. وقد رأى غير قدامة فيه غير ذلك ، وقال : لا يكون في المعنى إغراب إلا إذا لم يسمع مثله. والاشتقاق يعضد التفسير الثاني والشواهد تعضد تفسير قدامة ؛ لأنّ شواهد الباب وقع فيها ما يجوز أن يكون قائله لم يسبق اليه وما يجوز أن يكون قد سبق اليه على قلته».
وقال ابن الاثير الحلبي : «ويسمّى هذا الباب بالاغراب وهو أن يأتي المتكلم بمعنى غريب نادر لم يسمع بمثله أو سمع وهو قليل الاستعمال» (٧).
وسماه المدني النوادر وقال : «النوادر جمع نادرة ، قال الجوهري : ندر الشيء يندر ندرا : إذا شذّ ، ومنه النوادر. وفي القاموس : نوادر الكلام : ما شذّ وخرج من الجمهور. وسمّاه قدامة ومن تبعه : الإغراب ـ بالغين المعجمة ـ والطرافة» (٨).
ومن أمثلته مدح زهير للفقراء والأغنياء معا فانّه غريب إذ العادة جارية بمدح الاغنياء غالبا لأنّه يقال :
__________________
(١) المثل السائر ج ٢ ص ٣٦.
(٢) اللسان (غرب).
(٣) نقد الشعر ص ١٧٠.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ١٣٢.
(٥) المنهاج ص ٧١.
(٦) تحرير ص ٥٠٦ ، بديع القرآن ص ٢٢٢.
(٧) جوهر الكنز ص ٢٢٧.
(٨) أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٣٨.